عن ارادة المولى فيجوز وجود الطلب مع عدم حصول مراده في الخارج ـ كما قد تحصل الارادة ولا يحصل طلب خارجا ـ فتأمل.
واستدلوا انّه لو كان طلب الفعل عين ارادة الباري تعالى شأنه لزم عدم تخلف الارادة عن مراده مع انّا نرى عصيان العاصين لارادات المولى وتخلفهم عنها.
وهذا سهو منهم وغلط وخلط :
إذ فرق بين الارادة التكوينية والتشريعية ففي الأول لا قائل بتخلف المراد عن الارادة فليس هذا من محل النزاع. وأما الارادة التشريعية فليس كذلك إذ يكون البناء فيها على امهال العباد وامتحانهم.
مثال الأول. قوله تعالى : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ)(١).
وأما الثاني فانّ الله سبحانه وتعالى قد شرع الشرع وجعل تحقق ارادته بارادة المكلفين وقد أبلغهم وأعلمهم وأتم الحجة عليهم وأمهلهم.
فلا يقاس الارادة التشريعية بالتكوينية.
ومن هنا يظهر الجواب عن مقالة أهل الجبر من ان العباد ليسوا مختارين وانهم ـ وإن أرادوا فعلا ـ لكن لا أثر يترتب على ارادتهم لأنها لو كانت موافقة لارادته فالمؤثر هو ارادة الباري لا العبد. ولو أراد شيئا وكانت ارادة الله على خلاف ارادة العبد فلا يعقل وقوع ارادته على خلاف ارادته لأن الله تعالى قوي والعبد ضعيف. فكيف تقع ارادة العبد الضعيف المخالفة لارادة المولى القوي العزيز.
أقول : هذا أيضا خلط بين الارادة التكوينية والتشريعية. وذلك لأن الله تعالى ـ في مورد الارادة التشريعية ـ اراد صدور العمل من العبد اختيارا ـ ولو قلت ـ بأن العبد ملجأ ـ لزم منه تخلف المراد عن الارادة ومعنى هذا ان الله تعالى قد أوجد
__________________
(١) سورة الأنبياء : آية ٦٩.