للتصور حيث قال (العلم إن كان اذعانا للنسبة فتصديق وإلّا فتصور) (١).
أقول : انّ التصور الذي هو بمعنى الخطور هل هو جزء من العلم لغة أو اصطلاحا؟ فلا بد أن ننظر في انّ العلم في اللغة هل يمكن تقسيمه بالتصديق وبالتصور بمعنى الخطور؟ فنقول :
العلم مقابل الجهل فلو تصورت شيئا لم يصح ان تقول علمت. فإنّ العلم في اللغة إمّا اليقين أو العرفان أما الثاني فعبارة عن معروفية شيء عند العارف به.
فالتصور في اللغة ليس بمعنى خطور العلم بل هو جهل بل حال آخر يجامع كلا منهما فلو كان التصور بمعنى الخطور جزء من العلم فلا بد أن يقال بأنّ هذا اصطلاح من المنطقيين اذ نقلوا العلم من معناه اللغوي الى معنى جامع عبروا عنه بالصورة الحاصلة وهذا الاصطلاح يوجب أن يكون موضوع البحث أعم من المعنى اللغوي أو أخص وإلّا فلو كان منطبقا على المفهوم اللغوي لم يبق مجال للنقل وأما موضوع البحث عندهم فهل هو المعرف والحجة أو صورة الظن والشك والوهم؟
أما التصور فمنشؤه ما يرجع الى الجنس والفصل والخاصة وأما التصديق فمنشؤه القياس والعلة والمعلول ومن جهة أخرى انّهم قد قسموا التصور الى النظري والضروري ومثلوا للأول بالجن والملك وللثاني بالحرارة والبرودة. وهذا مما لا يمكن قبوله. اذا الخطور لا يجامع النظرية فالمراد بتصور الجن والملك حيثما يطلق هو المعرفة بهما التي هي أمر نظري وأما الحرارة والبرودة فهما وجدانيان لا بديهيان.
وأما تقسيمهم التصديق الى النظري والضروري. فالدلالة ليست باعتبار التصور بل باعتبار العلة والمعلول وواضح انّ دلالة أح أح على وجع الصدر في الطبعية اللفظية وكذا سرعة النبض في غير اللفظية منها ليست باعتبار الخطور.
__________________
(١) تهذيب المنطق للتفتازاني.