وصيغة الدعاء غير ارادة المدعو به للمدعو له من حيث الوجود نحو (اغفر لي ولوالدي) او من حيث العدم نحو (لا تكلني الى نفسي طرفة عين) بحيث يسمى احدهما طلبا والآخر ارادة ، ولا نجد في النداء لا في مادة النداء ولا في صيغة النداء نحو (أنادي ننادي) مثلا ، ولا في حرف النداء طلبين غير ارادة المنادي ، ولا نجد في الاستفهام الحقيقي غير ارادة طلب الفهم وغير ازالة الجهل ، واما في غيره فلا نجد غير ارادة التقرير اذا كان تقريريا وغير ارادة التوبيخ في التوبيخي وغير ارادة الانكار في الاستفهام الانكاري ، ولا نجد في الجملة الخبرية اذا استعملت في مقام الانشاء نحو (فيتوضأ ويغتسل) غير ارادة المعنى الحدثي في الاستقبال. فبالنتيجة : فلا عين ولا اثر من الكلام النفسي في هذه الأمور كما رأيت.
والثاني : غير الطلبي كالتمني والترجي والقسم والتعجب. اما اذا رجعنا الى الوجدان فلا نجد غير معاني هذه الالفاظ وغير ارادة المتمني والمترجي والمقسم له والمتعجب منه صفة اخرى قائمة في النفس تسمى بالطلب ، فاذا لم يوجد الطلب لم يوجد الكلام النفسي في الذهن لانه متفرّع عليه. وهذا جواب عن الدليل الثاني للاشاعرة.
واما الجواب عن الدليل الاول للاشاعرة ، وهو الاوامر الامتحانية والاوامر الاعتذارية ، وهو فاسد لانه يخلو عن مدعى الأشاعرة لان مدّعاهم هو المغايرة بين الارادة الحقيقية والطلب الحقيقي ، ففي هذه الاوامر لا تكون الارادة الحقيقية موجودة ولا الطلب الحقيقي موجودا. نعم يكون الطلب الانشائي موجودا والارادة الانشائية موجودة. ولا يخفى عليك ان الطلب الانشائي غير الارادة الحقيقية ، كما ان الطلب الانشائي غير الطلب الحقيقي ، لان الاولين قائمان بالقول أو الإشارة أو الكتابة ، والثانيين قائمان بنفس المريد الطالب ، فالاستدلال بها خال عن المدعى ، لانه يدل على المغايرة بين الطلب الانشائي والارادة الحقيقية ، وهو غير قابل للانكار ، فالتمسك بهذا خال عن الفائدة كما لا يخفى. واحتجّت الأشاعرة ايضا بقول الاخطل الشاعر :