قصد القربة ، وان كان قصد القربة شرط الثواب ، وشرط الكمال فيه لا شرط الصحة كما لو ركب المستطيع الدابة المغصوبة وسار الى مكة المكرمة وأدّى الحج فقد أجزأ وكفى ، وان عصى في الغصب ، فكذا فيها. والحال انه لا يكتفى بها ان أتيت بلا قصد القربة.
وعليه فكيف يعتبر في الطهارات الثلاث قصد القربة اجماعا مع انها واجبات غيرية ، وكل الواجبات الغيرية واجبات توصلية ، وهذه واجبات توصلية وكل الواجبات التوصلية لا يشترط فيها قصد القربة. فالطهارات الثلاث لا يشترط فيها قصد القربة. هذا خلاصة الإشكالين الواردين في هذا المقام.
فاجاب المصنف قدسسره عن الإشكالين بان كون الشيء عبادة على نحوين : تارة تكون عبادية الشيء بملاحظة تعلق الامر النفسي التعبدي به مثل الواجبات العبادية كالصلاة والصوم والجهاد ونحوها.
واخرى : تكون بملاحظة مصلحة ذاتيّة ورجحان ذاتيّ ، وذلك كالطهارات الثلاث. فالشيء يكون عبادة بلحاظ الرجحان الذاتي الثابت في هذا الشيء وان لم يكن له أمر فعلا ، مثل الصلاة في الدار المغصوبة جهلا او نسيانا ، فهي عبادة لرجحانها ، وان لم يكن لها امر فعلي في هذا الحال. او مثل الصلاة في حالة التزاحم مع الواجب الاهم كالازالة ، فاذا فعلها المكلف في هذه الحالة فهي عبادة موجبة للقرب للرجحان الذاتي الثابت فيها ، وان لم يكن لها أمر بالفعل لاجل المزاحمة مع الواجب الاهم. بل الواجبات الشرعية باسرها تكون عبادات لاجل مصلحتها الذاتية ورجحانها الذاتي.
اذا علم هذا فإنّ الطهارات الثلاث ، من الوضوء والغسل والتيمم ، عبادة لا بملاحظة الامر الغيري بل بلحاظ رجحان ذاتيها ومصلحتها الذاتية ، ويكون اشتراط قصد القربة فيها لاجل مصلحتها ورجحانها ، كما ان حصول الثواب والقرب بها لاجل الرجحان النفسي الثابت فيها.
فهذه الافعال والطهارات الثلاث ، مع هذا الوصف العالي ، تكون مقدمة لعبادة