ويجوز اخذ الاجرة على اتيانها بداعي امتثالها لا على نفس الإتيان كى ينافي اخذ الاجرة عباديّتها فيكون من قبيل الداعي الى الداعي. اما بيان الداعي الى الداعي فمثل اخذ الاجرة على فعل العبادات الاستيجارية ، لان الاجرة تكون داعيا للأجير على اتيان العمل متقربا به الى الله تعالى ، فهذا تصوير الداعي الى الداعي.
وبعبارة اخرى : وهي انه يشترط في العبادات كون العمل لله تعالى ، واما العمل باي داع كان ، فليس له هذا التقييد ، فيجوز للمكلف اتيان العمل لله للوصول الى الجنة او للفرار من النار او لوسعة الرزق او لشفاء المريض ، وكذا يجوز له اتيان العمل لله تعالى لاجل اخذ الاجرة.
ولا تقدح هذه الأمور في عباديتها ، وفي اشتراط قصد القربة فيها ، لان هذا الإتيان من قبيل الداعي الى الداعي ، فالداعي الاول هو جلب رضا الله تعالى بإتيان العمل لله. ولكن الداعي لرضا الله تعالى هو اخذ الاجرة او الامور المذكورة.
نعم يشترط في العبادات الاستيجارية ان يعود النفع الى المؤجّر ، وهو براءة ذمة ابيه عن الصلوات الفائتة ، كما يشترط في مطلق الاجارة ان يصل النفع الى المؤجر ، بل الى الاجير والمستأجر ، فلو لم يصل النفع اليهما لكانت المعاملة باطلة قطعا ، اذ هي سفهية وضررية ، وهي فاسدة ، واكل الاجرة في قبالها أكل بالباطل. فلو آجر زيد بكرا على ان يأتي بكر صلاة ظهره مثلا ، فلا يبعد ان يكون هذا الاستئجار باطلا لعدم وصول النفع والمنفعة ـ لا دنيويا ولا اخرويا ـ الى المؤجر ، بل يرد عليه الضرر المالي ، وهو بذل الاجرة للاجير. لا يبطل هذا الاستيجار من اجل كون صلاة الظهر واجبا تعبديا ، وهذا ظاهر.
فقد تلخّص مما ذكرنا انه اذا كان نفس العمل وحده واجبا حرم اخذ الاجرة عليه واذا كان نفس العمل مع الاجرة واجبا جاز اخذ الاجرة عليه. فالاول مثل الواجبات العينية النفسية ، والثاني مثل الواجبات الكفائية التي يختلّ بتركها نظام المعاش ، بخلاف دفن الميت المسلم ـ فانه وان كان واجبا كفائيا توصليا ـ لا يجوز اخذ الاجرة عليه ، لان الله تعالى اوجبه على المكلفين بلا عوض ، فالواجب هو