ويؤيد الوجدان وجود الاوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات. اما الاولى فنحو قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ، ونحو قوله عليهالسلام : «اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه» ونحوه. واما الثانية كالمثال السابق فوجودها يكون اقوى شاهد على ان وجوب الشيء ملازم مع وجوب مقدماته.
بيان ذلك ان الامر الغيري لا يتعلق بشيء إلّا ان يكون فيه مناط الامر الغيري ، وهو عنوان مقدمية المأمور به بالامر الغيري المقدمي ، فكل شيء يؤمر به امرا غيريا لا محالة ان يكون لاجل عنوان مقدميته. ومن هنا علم ان كل شيء يكون مقدمة يكون مأمورا بالأمر الغيري لوجود ملاكه فيه. فنعلم من وجود الاوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات ان كل مقدمة ـ سواء كانت مثل الوضوء والغسل ودخول السوق أم كانت غيرها ـ واجب بالوجوب الغيري المقدمي الترشحي لوجود المناط فيه وهو عنوان مقدمية كل مقدمة ، فلا يختص الوجوب الغيري بمقدمة دون مقدمة.
وبتقرير اوضح : وهو انه لا بد من ان يكون لهذه الاوامر الغيرية التي وردت في الشرعيات والعرفيات ملاك لان أوامر المولى تابعة للملاكات والمصالح الواقعية ، فالملاك لا يخلو اما يكون ملاك الواجب النفسي واما يكون عنوان المقدمية ، فعلى الاول يلزم ان تكون تلك الاوامر أوامر نفسية وهو خلاف الفرض ، اذ الفرض كونها غيرية. فاذن يتعيّن الثاني وهو كون ملاك الامر عنوان المقدمية ولا ريب ان هذا متحقق في كل مقدمة.
هذا ، مضافا الى انه لا خصوصية للموارد التي وردت فيها الاوامر الغيرية فحينئذ يتعدّى منها الى غيرها فيتعيّن القول بوجوب مطلق المقدمة.
غاية الامر ان المولى اذا التفت الى ما يتوقف عليه مطلوبه حين الامر فقد ترشحت من ارادته ذا المقدمة ارادة اخرى الى المقدمة ، فيأمر بها امرا مولويا على حدة مستقلا كالامر بدخول السوق بعد ارادته اشتراء اللحم منه ، واذا لم يلتفت الى ما يتوقف عليه المطلوب لم يأمر امرا مولويا غيريا مستقلا ولكن يأمر به مولويا