الأمر الثاني أنّه لا نسبة بين العقوبات الإلهيّة والمخاوف الدنيويّة كما لا نسبة بين الأمتعة الفانية الداثرة ، وبين النعم الباقية الآخرة ، وهذا أمر لا يكاد يريب فيه مستريب ، لكنّ الغفلة منه عجيب عجيب ، فإنّ المخاوف الدنيويّة راجعة إمّا الى خوف سلب المال ، أو الجاه ، أو الحياة العاجلة ، ولا ريب أنّ مطلوبيّة المال والجاه إنّما هو للعيش الرغيد ، وأمّا الحياة العاجلة فالغرض الاصليّ منها تحصيل الحياة الباقية الدائمة ، (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١) ، فمن بذل الحياة الفانية فاز بالنعمة الدائمة ، (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٢).
وأنّه قد ظهر ممّا مرّ أنّه يمكن تعلّق اليقين بكلّ شيء من الأمور الدنيويّة والاخرويّة من العقائد الدينيّة وغيرها.
وأمّا ما في الخبر المتقدّم أنّه التوكّل على الله والتسليم لله ، فهو تعريف باللّازم باعتبار بعض المتعلّقات المهمّة.
وكذا ما في النبويّ من كون علامة المؤمن ستّة (٣) ، وذلك لأنّ المقصود تعريف اليقين فيما هو المهمّ من أمر الدين ، ولذا قال بعض المحقّقين : اليقين أن يرى الأشياء كلّها من سبب الأسباب ولا يلتفت إلى الوسائط ، بل يرى الوسائط كلّها مسخّرة لا حكم لها ، ثم الثقة بضمان الله سبحانه للرزق ، وأنّ ما قدّر له سيساق إليه ،
__________________
(١) العنكبوت : ٦٤.
(٢) التوبة : ١١١.
(٣) تحف العقول : ص ٢٠.