ثمّ أن يغلب على قلبه أنّ من (يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) ، ثمّ المعرفة بأنّ الله مطّلع عليه في كلّ حال ، وشاهد له وأحسن ضميره وخفايا خواطره فيكون متأدّبا في جميع أحواله وأعماله مع الله تعالى ، فتكون مبالغته في عمارة باطنه وتطهيره وتزيينه لعين الله أشدّ من مبالغته في تزيين ظاهره للناس.
وفي «مصباح الشريعة» : قال الصادق عليهالسلام اليقين يوصل العبد إلى كلّ حال سنيّ ومقام عجيب ، كذلك أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن عظم شأن اليقين حين ذكر عنده أنّ أصحاب عيسى بن مريم عليهالسلام كانوا يمشون على الماء ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لو زاد يقينهم لمشوا في الهواء.
فالمؤمنون متفاوتون في قوة اليقين وضعفه ، فمن قوّى منهم يقينه فعلامته التبرّي من الحول والقوّة إلّا بالله والاستقامة على أمر الله وعبادته ظاهرا وباطنا ، قد استوت عنده حالتا العدم والوجود ، والزيادة والنقصان ، والمدح والذم ، والعزّ والذلّ ، لأنّه يرى كلّها من عين واحدة.
ومن ضعف يقينه تعلّق بالأسباب ورخّص لنفسه بذلك واتّبع العادات وأقاويل الناس بغير حقيقة ، والسعي في أمور الدنيا وجمعها وإمساكها ، مقرّا باللسان أنّه لا مانع ولا معطي إلّا الله وأنّ العبد لا يصيب الّا ما رزق وقسّم له ، والجهد لا يزيد في الرّزق ، وينكر ذلك بفعله وقلبه ، قال الله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) (١).
وإنّما عطف الله لعباده حيث أذن لهم في الكسب والحركات في باب العيش ما لم يتعدّوا حدوده ولا يتركوا من فرائضه وسنن نبيّه في جميع حركاتهم ولا يعدلوا عن محجّة التوكّل ولا يقفوا في ميدان الحرص ، وأمّا إذا أبوا ذلك كانوا من الهالكين
__________________
(١) آل عمران : ١٦٧.