ونسب الفرّاء في لغات القرآن المدّ إلى الحجازيّين ، وعليه نزل الكتاب ، لشذوذ القصر في قوله : (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) ، والقصر إلى أهل نجد من بني تميم ، وقيس ، وربيعة ، وأسد.
وتبعيد الإشارة في المقام بالمدّ وكاف الخطاب لعظمة المشير ، وتكريم المشار إليه ، او لبعد الموصوف لفصل الصفات الكثيرة.
ومعنى الاستعلاء في (عَلى هُدىً) مثل لتمكّنهم من الهدى واستعدادهم له وإقبالهم إليه ، واستقرارهم عليه وتمسّكهم به في جميع أحوالهم وأمورهم على يسر وسهولة ، شبّهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه ، ونحوه قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) (١) ، وقوله تعالى : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ) (٢).
وللتفتازاني ، والمحقّق الشريف وغيرهما كلمات في المقام قد تعرّض لجملة منها صدر المحقّقين في شرح الصمديّة في بحث (على) الجارّة لا طائل تحت التعرض لها.
ونكّر (هُدىً) للتعظيم والتفخيم ، فإنّ الهدى هدى الله ، وهو الصراط المستقيم المفسّر بولاية مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام فإنّ حبّه عليهالسلام حسنة لا تضرّ معها سيّئة ، وبغضه سيّئة لا تنفع معها حسنة ، كما ورد من طرق الخاصّة والعامّة ، وقد مرّت الأخبار الدالّة على تفسير الهداية بهم عليهالسلام.
وفي تفسير الإمام عليهالسلام قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّ بلالا كان يناظر اليوم فلانا فجعل يلحن في كلامه ، وفلان يعرب ويضحك من بلال ، فقال امير المؤمنين عليهالسلام : يا عبد الله إنّما يراد إعراب الكلام وتقويمه
__________________
(١) محمد : ١٤.
(٢) الدخان : ٣٢.