وبمعنى النجاة ، قال في «الصحاح» : حيّ على الفلاح أي أقبل على النجاة ، وأصله بالحاء وبالجيم بمعنى الشقّ والقطع ، ومنه سمّى الأكّاد فلّاحا ، والفلاحة ، الحراثة ، وفي المثل : إنّ الحديد بالحديد يفلح ، اي يشقّ ويقطع ، والأفلح : المشقوق الشفة السفلى ، وفي رجله فلوح أي شقوق ، وإطلاقه على السحور في الحديث : حتّى خشينا أن يفوتنا الفلاح (١) لكونه سببا لبقاء الصوم ، أو للفوز به.
بل قيل : إنّ ما شاركه في الفاء والعين نحو «فلق» و «فلذ» يدلّ على الشقّ والفتح ، ولكن هذا ليس كليّا ، كما لا يخفى على من لا حظ الموادّ الكثيرة المشتملة على الحرفين.
وفلاح المتّقين بالنجاة من النار ، وفضيحة العار ، والفوز بلقاء الله في دار القرار وجوار الأخيار ، ودوام الخلود في الجنّة التي تجري من تحتها الأنهار.
واللام في (الْمُفْلِحُونَ) للجنس بناء على ارادة حصر الجنس في المسند إليه ، كما يقال : زيد هو العالم ، كأنّه ليس لغيرهم فلاح ، ولا يعتدّ بفلاح غيرهم ، أو دعوى اتحاد طرفي الإسناد ، كأنّه قيل : هم هم حقيقة ، أو ادّعاء ، فلا مصداق ، بل لا مفهوم لأحدهما مغايرا للآخر.
أو للعهد إشارة إلى أنّ المتقين هم الذين بلغك أنّهم الفائزون بالبغية في الآخرة المخلّدون في الجنّة ، أو أنّهم المخصوصون بالله ، المشرّفون بكراماته ، المعروفون بحزب الله (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢).
ثمّ إنّه ربما يحكى عن الوعيديّة القائلين بخلود أصحاب الكبائر في النار ، أو عدم العفو عنهم إن ماتوا بغير توبة كما عن الخوارج وأكثر المعتزلة ، الاستدلال بهذه
__________________
(١) سنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٢١ ح ١٣٢٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ج ٢ ص ٤٩٤.
(٢) المجادلة : ٢٢.