الآية مرّة من جهة الإختصاص المستفاد من الحصر ، فوجب نفي الفلاح عمّن أخلّ بشيء من الصلاة والزكاة ، واخرى من حيث إشعار ترتّب الحكم على الوصف بالعليّة ، فعلّة الفلاح هي مجموع الأمور المتقدّمة الّتي يستلزم انتفاؤها كلّا أو بعضا لانتفاء معلومها ضرورة انتفاء المعلول بانتفاء علّته.
ويضعّف الأوّل بعد الغضّ عن فهم الإختصاص بحيث يكون حجّة بأنّ المختصّ بالمتّقين إنّما هو الفلاح الكامل ، وهو لا ينافي حصوله في الجملة لغيرهم على حسب مراتبهم في الإيمان.
والثاني بعد تسليم فهم العليّة بالمنع من انحصار العلّة فيه ، سيّما بعد ما دلّ على العفو وسببيّته للفلاح من الآيات الكثيرة والأخبار المتواترة حسبما تسمع إن شاء الله تعالى تمام الكلام فيها وفي ابطال مذهبهم وساير أدلّتهم فلي تفسير قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١).
على أنّ فساده لعلّه ضروري من المذهب ، وما يحكى عن الشيخ أبي جعفر الطوسي من الميل إليه لا يخلو من تأمّل.
ثمّ إنّه سبحانه بعد ما افتتح كتابه المبين بذكر المتقين وما يختصّ بهم من الصفات الجميلة ، والمثوبات الجزيلة عقّبهم بذكر الكافرين وما اجترحوه من الخطايا الموجبة لنبو قلوبهم ووقر أسماعهم ، تعريفا لأهل السداد ، حيث إنّه تعرف الأشياء بأضدادها ، وتسلية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وخزيا على الكفّار ، مع أنّ مدار التبليغ على الوعد والوعيد فقال عزّ من قائل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفر جحود مع المعرفة وعدمها بالتوحيد وغيره من اصول الإيمان ، فإنّ وجوه الكفر كثيرة على ما رواه في
__________________
(١) النساء : ٤٨.