والتقصير في حقّهم عليهمالسلام وهجروا قولهم في معنى الغلوّ ، ومدحوا من قدحوا به فيه من رجال الأئمّة عليهمالسلام حتى قيل : إنّه لا يكاد يسلم جليل من قدح ابن الغضائري الى غير ذلك مما لا يخفى على من له انس بالرجال.
وإن اعتذر المحقق البهبهاني وغيره من ذلك بأنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة ومخلوطين ومدلّسين أنفسهم عليهم فبأقلّ شبهة كانوا يتّهمون الرجل بالغلوّ والارتفاع.
وبأنّه ربما كان المنشأ روايتهم المناكير ، او وجدان رواية ظاهرة فيه منهم ، أو ادّعاء أرباب ذلك القول كونه منهم.
او أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الاصوليّة فربّما كان شيء عند بعضهم فاسدا ، أو كفرا أو غلوّا ، وعند آخرين عدمه ، بل ممّا يجب الاعتقاد به.
الى غير ذلك من الاعتذارات الّتي لا يهمّنا البحث عنها ، إنّما المهمّ تحقيق معنى الغلوّ والتقصير.
قال شيخنا المفيد في شرح ما قدّمناه عن الصدوق : الغلوّ في اللغة هو تجاوز الحدّ ، والخروج عن القصد ، قال الله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ... الآية (١).
فنهى عن تجاوز الحدّ في المسيح ، وحذّر عن الخروج عن القصد في القول وجعل ما ادّعته النصارى فيه غلوّا ، لتعدّيه الحدّ على ما بيّناه ، والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمّة عليهمالسلام الى الإلهيّة والنبوّة ، ووضعوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحدّ ، وخرجوا عن القصد وهم ضلّال كفّار حكم فيهم أمير المؤمنين عليهالسلام بالقتل والتحريق بالنار ... الى
__________________
(١) النساء : ١٧١.