الفاعل ، أمّا لو أطلق وأريد به مجرد اللفظ نحو ضرب فعل ماض ، ويضرب فعل مضارع ، أو مطلق الحدث المدلول عليه ضمنا على الاتساع فهو كالاسم في الإخبار عنه ، كقولهم : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، وكقوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) (١) ، وقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا) (٢) ، أو الإضافة كقوله تعالى : (يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) (٣).
وفيه أنّ ما أريد به مجرّد اللفظ اسم للفعل كما أنّ الأدوات في قولك : الباء للإلصاق ، ومن للابتداء وفي للظرفيّة أسماء للحروف ولذا تدخل اللام على ما بني منها على حرف واحد. وأمّا إرادة المعنى المصدري من الفعل غير سائغ إلّا مع التأويل المغيّر لصيغته ولذا قرأ المشهور تسمع بالمعيدي بفتح العين بتقدير أن الناصبة ، وذكروا في (بَدا لَهُمْ) : أنّ الفاعل مضمر تفسيره (لَيَسْجُنُنَّهُ) ، وهو بداء ، او السجن في الآية الاولى ، وكذا القول في الثانية.
فالأولى في المقام إضمار الفاعل بما يفسّره الجملة الفعلية وهو إنذارك وعدمه.
منه يظهر الجواب عن الثاني أيضا ، على أنه قد يجاب عنه وعن الثالث بأنّ الهمزة وأم قد انسلخ عنهما في مثل المقام معنى الاستفهام رأسا حتى زال عنهما الدلالة على أحد الأمرين وصارتا لمجرّد معنى الاستواء ، فإنّ اللفظ المتضمّن لمعنيين قد يجرّد لأحدهما ويستعمل فيه وحده منسلخا عن الآخر ، كما أنّ حرف النداء وإن وضع للاختصاص الندائي إلّا قد يجرّد لمطلق الاختصاص كما نبّه عليه
__________________
(١) سورة يوسف : ٣٥.
(٢) سورة البقرة : ١٣.
(٣) المائدة : ١١٩.