وعلى نفي الاختيار ، واثبات الجبر في الأفعال.
وقرّروه مرّة بأنّه سبحانه أخبر عن قوم بأعيانهم بعدم الإيمان مع الإنذار وعدمه ، فلو آمنوا لا نقلب هذا الخبر كذبا ، والكذب محال على الله تعالى ، والمفضي الى المحال محال فكان صدور الايمان عنهم محالا مع أنّه تعالى كان يأمرهم به فكانوا مكلّفين بالمحال.
واخرى بأنّه تعالى عالم في الأزل بأنّهم لا يؤمنون ، وصدور الإيمان منهم يستلزم انقلاب علمه جهلا ، وهو محال وما يستلزم المحال محال والتكليف متحقق فالأمر بالمحال واقع.
وثالثة بأنّه تعالى كلّف أبا لهب بالإيمان ، ومن جملة ما يؤمن به تصديق الله تعالى فيما أخبر عنه بأنّه لا يؤمن فقه صار مكلّفا بأن يؤمن بأنّه لا يؤمن وهذا تكليف بالجمع بين النقيضين.
ورابعة بأنّ علمه سبحانه بعدم إيمانهم مطابق المعلوم البتة ، والمطابقة إنّما تحصل إذا كان الواقع عدم الإيمان ، وايمانهم يقتضي وجوده فتكليفهم تكليف بالجمع بين وجوده وعدمه.
وخامسة بأنّ القدرة على خلاف ما علمه سبحانه قدرة على قلب علمه جهلا ، وهو محال فالقدرة منتفية والخطاب متعلّق فالتكليف بما لا يطاق ثابت.
وسادسة بأنه تعالى عاب الكفّار على أنهم حاولوا فعل شيء على خلاف ما أخبر عنه في قوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) (١) ، وذلك منهي عنه ، وترك محاولة الإيمان يكون أيضا مخالفة لأمر الله فيكون الذم حاصلا على الترك والفعل.
قال الرازي في تفسيره : هذا الكلام هو الهادم لأصول الاعتزال ، ولقد كان
__________________
(١) الفتح : ١٥.