السلف والخلف من المحققين معوّلين عليه في دفع اصول المعتزلة وهدم قواعدهم ، ولقد قاموا وقعدوا واحتالوا في دفعه فما أتوا بشيء مقنع (١).
وقال في «اربعينه» بعد التقرير الثاني : لو أنّ جملة العقلاء اجتمعوا وأرادوا أن يوردوا على هذا الكلام حرفا لما قدروا عليه ، إلّا أن يلتزموا مذهب هشام بن الحكم (٢) وهو أنّه تعالى لم يعلم الأشياء قبل وجودها لا بالوجود ولا بالعدم ، إلّا أنّ اكثر المعتزلة يكفّرون من يقول بهذا القول.
أقول : أمّا استحالة التكليف بما لا يطاق فلعمري إنّه من الضروريّات القطعيّة الّتي قامت عليها دلائل العقل والسمع حسبما حرّره أصحابنا الإماميّة عطّر الله مراقدهم في الأصولين ، ولعلّك تسمع جملة مقنعة من البحث عنها في تفسير قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٣) ، وتشكيك أمثالهم من المشكّكين لا يقدح في العلم بكونها ضرورية بعد بناء أصولهم على إنكار البديهيّات كإنكار الحسن والقبح والاختيار ، وتجويز الظلم ، والقول بالجبر الّذي منشأة هذه الشبهة الى غير ذلك ممّا التزموا به ، أو يلزمهم على أصولهم من القول بنفي التكاليف وإنكار النبوّات ، وإنكار الثواب والعقاب الى غير ذلك من الفضائح الكثيرة الّتي لا يهمّنا البحث عنها في المقام ، بل نقتصر على الجواب من شبهة العلم والإخبار الّتي بها افتخار الشياطين وتشكيك المشكّكين وابتغاء الفتنة لهدم أصول الشريعة وقواعد الدين.
__________________
(١) تفسير الرازي ج ٢ ص ٤٢ ـ ٤٣.
(٢) هشام بن الحكم كان من أصحاب الصادق والكاظم عليهالسلام له أصل وكتب كثيرة ومناظرات مع المخالفين دلّت على جلالته وعظمته وما نسب إليه الرازي ليس إلا افتراء عليه ، كما سيصرّح المصنّف قدسسره بأنه افتراء.
(٣) البقرة : ٢٨٦.