في ظرف الخارج أولا ، فإنّ ما علم وقوعه واجب الوقوع ، والّذي علم عدم وقوعه ولو مع إمكانه الذاتي فهو ممتنع الوقوع ، كيف ولو وجد هذا ، أو لم يوجد الأوّل لا نقلب علمه جهلا حسبما قرّروه ، وقضيّة بطلانه سلب القدرة عنه ، وهو كفر صريح على اتفاق منهم.
بل ويلزمهم نفي القدرة من العبيد أيضا فيما ينسب إليهم من الأفعال والتروك ، لأنّ ما علم الله تعالى وقوعه منهم كان واجب الوقوع والّذي علم عدمه كان ممتنع الوقوع ، ولا قدرة على الواقع ولا على الممتنع والضرورة قاضية بإثبات القدرة بالنسبة الى طرفي الفعل ، مضافا الى خصوص ما ذكرناه في غير هذا الموضع من اثبات الاختيار.
الثالث ما ينحلّ به أصل الشبهة ، وهو أنّ قضيّة العلم انكشاف ، الواقع على ما هو عليه لا التأثير في وقوعه أو تغيّره عمّا هو عليه ، ولذا لو فرضنا فاعلا يصدر عنه أفعاله باختياره ، وفرضنا أن لا علم لأحد بشيء من أفعاله بوجه كانت أفعاله جارية على ما هو عليه من الاختيار ، فلو فرضنا علم عالم بها قبل وقوعها منه فمن البيّن أنّه لا يتغيّر حال ذلك الفاعل المختار في الواقع من جهة علم العالم بها ولو مع فرض استحالة عدم مطابقة علم ذلك العالم للواقع ، لأنّ مرجعها إلى استحالة انكشاف غير ما يقع من الفاعل باختياره له ، لا إلى تأثير علمه في وقوع ما يقع منه.
ألا ترى أنّ علمك بحرارة النار ، وإضائة الشمس وطلوعها في غد ، وقيام الساعة ونحوها من المعلومات الحالية أو الآتية ممّا تقضي به الضرورة القطعيّة بحيث لا تجد مساغا للشكّ فيها ولا لاحتمال مخالفتها للواقع ، ومع ذلك فأنت تعلم علما ضروريّا بأنّه لا تأثير لعلمك في شيء منها ولا مدخليّة له في وقوعها أصلا ، وبالجملة لا فرق بين أن يكون متعلّق العلم من الأفعال الإراديّة أو الطبيعيّة أو الإبداعيّة في عدم التأثير فيها بتغيّرها عمّا هي عليها.