ومن هنا يتّضح الجواب عن أصل الشبهة بوجوهها المقرّرة.
أمّا على التقرير الأوّل فلأنّه سبحانه إنّما أخبر عنهم بعدم الإيمان لكونه هو الواقع منهم باختيارهم ، ولو كانوا يختارون الإيمان فكان سبحانه يخبر عنهم بالإيمان ، ألا ترى أنّه لو أخبرك مخبر صادق بأنّ زيدا يعطيك درهما بإرادته واختياره فلا ريب انّه في حال الإعطاء قادر مختار وقد اختار بإرادته الإعطاء ، ولو شاء لم يعطك الدرهم ، لكنّه لمّا كان يختار الإعطاء تعلّق به علم العالم وإخباره ، وهو واضح جدّا.
ولذا ترى كثيرا من الذاهبين الى مذهب الأشعريّة والمعتقدين بأصولهم قد ضعّفوا الاستدلال بالآية ، حتى أنّ القاضي (١) قال : والحقّ أنّ التكليف بالممتنع لذاته وإن جاز عقلا من حيث إنّ الأحكام لا يستدعى غرضا سيّما الامتثال لكنّه غير واقع للاستقراء ، والإخبار بوقوع الشيء أو عدمه لا ينفي القدرة عليه ، كإخباره تعالى عما يفعله هو أو العبد باختياره.
وممّا ذكرناه يظهر الجواب عن الثاني أيضا.
وعن الثالث أنّ أبا لهب كان مكلّفا بالإيمان ولم يؤمن بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولمّا علم سبحانه أنّه لم يؤمن ولا يؤمن بعد ذلك أخبر عمّا يقع منه ولو كان في الواقع ممّن يؤمن لكان خبر الصادق مطابقا له ، فهو مكلّف بتصديق الصادق وصدق كفره إنّما لوقوعه في متن الواقع فكان من مصاديق الصدق وإذا لم يكن منه كفر فلا علم ولا إخبار ولا تكليف بالتصديق بعدم الإيمان وإن كان التكليف بالتصديق مستمرّ.
ومنه يظهر الجواب عن الرابع أيضا.
__________________
(١) هو القاضي الباقلاني ابو بكر محمد بن الطيّب البغدادي ناصر طريقة الاشاعرة توفّي سنة (٤٠٣) ه.