يخلو عن تأمّل فانّه على ما صرّح به في «القاموس» وغيره مشتقّ من فرت بالفم فروتة بمعنى عذب والفرات هو الماء العذب والتزام القلب فيه مع مخالفته للأصل وما فيه في المقام من التّكلف البيّن ، لا يقضي به شيء من أدلّته ، سيّما مع ما صرّحوا به من ندوره جدا في غير المعتلّ والمهموز وانّه اكثر ما يكون في غير الفاء والعين.
وقيل : إنّه استمرار الألم من عذبته تعذيبا وعذابا ومنه عذب الماء إذا استمرّ في الحلق وحمار أو فرس عاذب وعذوب إذا استمرّ به العطش فلم يأكل شيئا من شدّة العطش.
وقيل إنّه من التعذيب الّذي هو ازالة العذب كالتقذية لازالة القذى وهو ما يسقط في العين والشراب ، والتّمريض لحسن القيام بما يحتاج إليه المريض فجعل ذلك إزالة للمرض لأنّ له مدخلا تامّا في زواله.
وعلى كلّ حال فالمراد به حيث يطلق كلّ ألم سواء كان ابتداء أو بعد جناية قصد به الرّدع ، أم لا مع الاستحقاق وعدمه فيكون أعمّ مطلقا من النكال والعقاب والقصاص.
وأمّا ما ذكره مميت (١) الدين وخربه من أنّ العذاب نعيم لأهل الشّقاء ، وانّهم يستعذبونه ويلتذّون به ، فسمّي بذلك لعذوبة طعمه بالنّسبة إليهم ، حيث أنّه مشتقّ من العذب حتّى انّه أنشد في ذلك.
فلم يبق إلّا صادق الوعد وحده |
|
وما لوعيد الحقّ عين تعاين |
فإن دخلوا دار الشّقاء فانّهم |
|
على لذّة فيها نعيم مباين |
نعيم جنان الخلد فالامر واحد |
|
وبينهما عند التّجلى تباين |
__________________
(١) مراده محمد بن علي بن محمد الطائي المعروف بمحيي الدين المتوفى (٦٣٨).