ثانيها : أنّ المراد تشبيه صورة صنيعهم مع الله وعبوديّتهم له من حيث إظهار الإيمان ، واستبطان الكفر والسّعي في إيذاء الرسول والإصرار في دفع الحقّ عن وصيّه ، وشقّ عصا المسلمين ، ومحادّة النّبي والمؤمنين وصنع الله بهم بإجراء أحكام المسلمين عليهم ، وهم عنده أخبث الكفّار ، وأهل الدّرك الأسفل من النّار ، وإبقاء ما منحهم من قوّة ونعمة وعافية ، وغيرها من الفيوض التكوينيّة وامتثال الرسول والمؤمنين أمر الله تعالى في إخفاء حالهم وإجراء حكم الإسلام عليهم ، كلّ ذلك استدراجا لهم (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) ، وإملاء لهم (لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) بصورة صنع المخادعين اللّذين يخفي كلّ منهما لصاحبه المكروه حتّى يوقعه فيه.
ويشير إليه ما رواه العيّاشي عن الصّادق عليهالسلام انّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل فيما النّجاة غدا؟ قال : إنّما النّجاة أن لا تخادعوا الله فيخدعكم فانّ من يخادع الله يخدعه ، ويخلع منه الإيمان ونفسه يخدع لو يشعر ، قيل له وكيف يخادع الله؟ قال : يعمل ما أمره الله عزوجل ثمّ يريد به غيره ، فاتّقوا الرياء فانّه شرك بالله تعالى (١).
وفي التوحيد والمعاني والعيون والاحتجاج عن الرّضا عليهالسلام : انّه سئل عن قول الله عزوجل : (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) (٢) وعن قوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٣) وعن قوله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) (٤) وعن قوله : (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) (٥) فقال : إنّ الله عزوجل لا يسخر ، ولا يستهزئ ، ولا يمكر ، ولا يخادع ، ولكنّه عزوجل يجازيهم جزاء السّخرية ، وجزاء الاستهزاء ، وجزاء المكر والخديعة ، تعالى الله عمّا
__________________
(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٨٣ وعنه البحار ج ٨٣ ص ٢٢٧.
(٢) التوبة : ٧٩.
(٣) البقرة : ١٥.
(٤) آل عمران : ٥٤.
(٥) النساء : ١٤٢.