الّذين أمنوا بالله فانّ هذه طريقة يسلكونها إذا أرادوا افادة قوّة الاختصاص ، ولما كان المؤمنون الّذين أميرهم أمير المؤمنين بمكان من الله تعالى سلك بهم ذلك المسلك كما سلك بنبيّه ذلك في قوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (١) ، وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) (٢).
والسرّ في افادته قوّة الاختصاص انّك في المثال إذا أسندت الإعجاب إلى زيد والمعجب كرمه فقد أوهمت أنّ كرمه شاع فيه بحيث سرى في جميع أعضائه وقواه وصار شخصه معجبا بإعجاب كرمه ، ولذا أسند الاعجاب الّذي هو من كرمه إلى ذاته ، ومثل هذا العطف يكون جاريا مجرى التفسير وازالة الإبهام ، وكذا يستفاد من الآية انّ المؤمنين الّذين فيهم أهل العصمة والطّهارة لشدّة اختصاصهم بالله وانقطاعهم إليه صاروا من حزبه بل هم القوّامون بأمره العاملون بإرادته النّاطقون بمشيّته ولذا جعل خداعهم خداعه وثنّى بهم إيضاحا للمرام وافصاحا عمّا لهم من المقام ولذا عرّفهم بالموصول تعظيما وتكريما وأطلق ايمانهم تنبيها على تعلّقه بكلّ ما ينبغي أن يؤمنوا به.
وجملة (يُخادِعُونَ) في موضع النّصب لكونها حالا عن الضّمير في قوله : (مَنْ يَقُولُ) أو (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) ، أو بيان ل (يَقُولُ) ، أو استيناف لذكر ما هو كالتّعليل لعدم ايمانهم وأمّا الّذي كانوا عنه يخادعون فاغراض شتّى لهم كالاعتصام بظلّ الإسلام في حفظ دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، والدّخول في حوزة المسلمين والمشاركة معهم في نيل الحظوظ من المغانم وساير الفوائد ، والاطّلاع على الأسرار الّتي كانوا حراصا على إذاعتها إلى منابذيهم ، وغير ذلك من المقاصد الّتي كان
__________________
(١) التوبة : ٦٢.
(٢) الأحزاب : ٥٧.