وَالنَّسْلَ ...) (١) نزلت في المنافقين الذين نزلت فيهم الآيات المتقدّمة ، وهم الذين عقدوا فيما بينهم أن يمنعوا أمير المؤمنين عليهالسلام حقّه ، وينازعوه فيما جعله الله تعالى له من الرياسة العامّة والولاية الكلّية.
ويؤيّده ما روته الخاصّة والعامّة عن سلمان المحمّدي رضي الله عنه أنّ أهل هذه الآية لم يأتوا بعد (٢) وحمله الطبرسي والبيضاوي وغيرهما من الفريقين على أنّه أراد به أنّ اهله ليس الذين كانوا فقط ، بل سيكون بعد من حاله حالهم ، قالوا : لأنّ الآية متّصلة بما قبلها بالضمير فيها.
أقول : والأظهر أنّ سلمان إنّما أبهم البيان خوفا وتقيّة ، ومراده ما أشار اليه الصادق عليهالسلام على ما رواه في المناقب أنّه سئل عن هذه الآية ، فقال : بها قوتل أهل البصرة (٣).
فقول سلمان : لم يأتوا بعد ، معناه لم يأتوا. بإفسادهم ، وان كانوا موجودين بأعيانهم ، كطلحة ، والزبير ، وغيرهما من المنافقين الناكثين لبيعة أمير المؤمنين عليهالسلام ، فإنّهم بايعوه أوّلا طائعين طامعين في نيل الأموال والمناصب ، فلمّا رأوا أنّه عليهالسلام يعدل بالحقّ ، ويقضي بالقسط ، ويقسّم بالسويّة ، ويعدل بين الرعيّة جاء طلحة والزبير إليه يستأذنانه للعمرة وقد أرادا الغدرة ، فخرجوا يجرّون حرمة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كما تجرّ الأمة عند شرائها وأوقدوا نار الحرب الّتي قتل فيها منهم ما يقرب من عشرين ألفا ، وقتل من أصحاب امير المؤمنين عليهالسلام نحو ألف رجل وسبعون فارسا ، إلى أن وضعت الحرب أوزارها.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٠٥.
(٢) راجع هامش رقم (١) في تفسير الصافي ج ١ ص ٩٦.
(٣) المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٣٣٤ وعنه البحار ج ٣٢ ص ٢٨٣.