ولا يخفى أنّ نكث هؤلاء بيعتهم الثانية بعد قتل عثمان وإن أوجب الفساد ، وسفك الدماء ، وتفريق الكلمة ، وإثارة فتن الشام والنهروان ، إلّا أنّ أساس ذلك كلّه ، بل وغيره من الفتن والمفاسد الواقعة بعد رحلة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى ظهور الحجّة عجل الله فرجه إنّما هو نكث البيعة الكبرى الواقعة في يوم الغدير.
ولذا قال موسى بن جعفر على ما تفسير الامام عليهمالسلام : (إِذا قِيلَ) لهؤلاء الناكثين للبيعة في يوم الغدير (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بإظهار نكث البيعة لعباد الله المستضعفين فتشوّشون عليهم دينهم ، وتحيرونهم في مذاهبهم.
قال (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) لأنّا لا نعتقد دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا غير دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونحن في الدين متحيّرون ، فنحن نرضى في الظاهر محمّدا بإظهار قبول دينه وشريعته ، ونقضي في الباطن على شهواتنا فنمتنع ونتركه ، ونعتق أنفسنا من رقّ محمّد ، ونفكّها من طاعة ابن عمّه عليّ لكي لا نذلّ في الدنيا ، كنّا قد توجّهنا ، وإن اضمحلّ أمره كنّا قد سلمنا من سبي أعدائه. الخبر (١).
وفيه مبالغة على إنكار الناصح وردّ قوله ، ودعوى تمحّض أفعالهم وأحوالهم عن شرب الفساد ، وانحصارها في الصلاح المحض لأنّ كلمة (إنّما) تفيد قصر ما دخلته على ما بعده ، فمعنى إنّما زيد قائم ، ما زيد إلّا قائم ، ومعنى إنّما قائم زيد : ما قائم إلّا زيد ، والمراد أنّ ما تسمّونه فسادا هو عندنا صلاح ، لما في قلوبهم من الزيغ والمرض ، فهم من (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (٢) ، وممّن (زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) (٣).
__________________
(١) تفسير المنسوب إلى الامام العسكري عليهالسلام ص ٥٧ وعنه البرهان ج ١ ص ٦١ ج ١.
(٢) الكهف : ١٠٤.
(٣) فاطر : ٨.