وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (١) فحقيقة هذه التّجارة هي بذل النّفس والمال وصرف العمر والقوى في طاعة الله وتحصيل رضاه ، وبه يحصل الهداية إلى الصّراط المستقيم الّذي هو مقتضى القيام بحدود الولاية وحقوقها فإذا بذلوها وصرفوها بمقتضى الأهواء بمقتضى الأهواء المردية في تحصيل المشتهيات النّفسانية ، والحظوظ الحيوانيّة ، والانحرافات الشيطانية ، فقد اشتروا الضّلالة بدلا عن الهدى الّذي أمروا بتحصيله واشترائه ، ورأس المال في الجميع هو ما سمعت.
وذلك كمن يعطي عبده دينارا ليشتري به لنفسه غذاء صالحا فيشتري العبد به سمّا مهلكا ويهلك به نفسه ، ولعل ما ذكرناه هو الأوفق بالمقام وبقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (٢) وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣) والواو في (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) مضمومة وصلا ، وفاقا لجميع القرّاء للمجانسة بعد التقاء الساكنين بسقوط ألف الوصل ، والفصل بالضمّ بينها وبين واو (أو) و (لو) وفي الشّواذ عن يحيى بن يعمر أنّه كسر الواو في المقام ، ومثله تشبيها بواو لو في قوله : (لَوِ اسْتَطَعْنا) (٤). كما أنّ المحكي عن يحيى بن وثاب (٥) أنّه ضمّ واو (لو) تشبيها بواو الجمع الّذي اتفق الجميع على ضمّه نحو : (لَتُبْلَوُنَ) (٦) و (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (٧).
__________________
(١) سورة الصف : ١٠ ـ ١٣.
(٢) البقرة : ١٧٥.
(٣) آل عمران : ١٧٧.
(٤) التوبة : ٤٢.
(٥) يحيى بن وثّاب المقري الكوفي الاسدي مولاهم توفي سنة ١٠٣.
(٦) آل عمران : ١٨٦.
(٧) التكاثر : ٦.