(فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ :) فما ربحوا في تجارتهم لأنّهم اشتروا التطبّع بالخلقة المغيرة الشيطانيّة بتضييع الفطرة الأصليّة الايمانيّة ، واستبدلوا الكفر بالإيمان ، وصرفوا أعمارهم فيما صرفهم عن نيل المثوبات إلى استحقاق المثلات والعقوبات. لذا قال الامام عليهالسلام في تفسيره : أي ما ربحوا في تجارتهم في الآخرة لأنّهم اشتروا النّار وأصناف عذابها بالجنّة الّتي كانت معدّة لهم لو آمنوا (١).
والتجارة في الأصل مصدر ثان لتجر من باب قتل نقلت إلى معنى الحرفة والصّناعة ، والرّبح الزّيادة على رأس المال ، واسناده إلى التّجارة وهو لأربابها على التجوّز لتلبّسها بالفاعل ، أو لمشابهتها إيّاه من جهة سببيتها للرّبح والخسران ، وشاع في إطلاقهم ضلّ سعيه وخسرت صفقته وربح بيعه.
ولعلّ النكتة في المقام التّنبيه على أنّ هذه التّجارة بنوعها في نفسها خاسرة لا تفارقها الخسران أبدا ، ولذا أضافها إليهم ، فانّها نشأت من تطبعهم وتعملهم ، بخلاف التّجارة الرابحة الّتي علّمهم الله تعالى.
وذكر الرّبح والتجارة بعد استعارة الاشتراء للاستبدال او الاختيار ترشيحا للمجاز اتباعا له بما يشاكله تحقيقا لحالهم وتمثيلا لخسارهم ، كما يقال جاوزته بحرا يتلاطم أمواجه وله اليد الطّولى قال :
ولمّا رأيت النّسر عن ابن دأية (٢) |
|
وعشش في وكريه جاشت له صدري |
فشبه الشيب بالنّسر والشعر الفاحم بالغراب مرشّحة بذكر العشّ والوكرين وهما الرّأس واللّحية وللغراب وكران صيفي وشتوي (٣).
__________________
(١) البرهان ج ١ ص ٦٤ عن تفسير الامام عليهالسلام.
(٢) ابن داية : الغراب.
(٣) راجع الكشاف ج ١ ص ١٩٣.