(وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) إلى الحقّ والصّواب كما في تفسير الامام عليهالسلام (١). فلم ينالوا الهداية وارتكبوا في تيه الضلالة ، أو لطرق التجارة فيكون ترشيحا آخر ، فإنّ المقصود منها لمن يتعاطيها أمران : سلامة رأس المال ، وحصول الرّبح ، وهؤلاء قد ضلّوا الطّلبتين ، وأضاعوا الأمرين ، فانّ رأس مالهم هو الفطرة السليمة والعقل الّذي به يعبد الرّحمن ويكتسب الجنان ، أو ساير ما منحهم من العمر والقوى والآلات ، فلمّا جحدوا الحقّ وعاندوه وأنكروا شيئا من التوحيد والنبوّة والولاية وغيرها من الأصول الايمانيّة بطل استعدادهم ، وتغيّرت فطرتهم ، واختل عقلهم ، وتمكّن فيهم النكراء والشّيطنة وصرفوا أعمارهم فيما لا يزيدهم إلّا طغيانا وخسرانا ، فخسروا الأصل والرّبح معا.
وإنّما نفى عن تجارتهم الرّبح مع أنّ خسران الأصل أولى بالذكر وأليق بشرح حالهم ، مضافا إلى كونه أخصّ من الأوّل يستغنى بذكره عنه مع اشتماله على فائدة زائدة.
لأنّ المقصود الاصلي من التّجارة هو الاسترباح لا الحفظ ، وإن كان هو الأهم في بابه فيسيق الكلام على مساق التجارة ثم حصل الترقي إلى خسران الأصل بقوله : (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ).
أو لأنّه استغنى بذكر لفظ الضلالة عن ذلك ، حيث إنّه قد دلّ بالاشتراء على بذل رأس المال الّذي هو الهدى ، ولذا دخلته الباء كما تدخل الأثمان فلم يبق في أيديهم عوض عنه غير الضلالة الّتي هي محض الخسران ، فرتّب عليه انتفاء الرّبح أيضا عطفا بالفاء.
او للاشعار على ربح المؤمنين على ما هو قضية المقابلة ، فذكر أنّ الّذين
__________________
(١) البرهان : ج ١ ص ٦٤ عن تفسير الامام العسكري عليهالسلام.