مضربه بمورده ، ولم يضربوا مثلا إلّا ما فيه غرابة ولو من بعض الوجوه ، ومن ثمّ يحافظ على لفظه ، ولو مع مغايرة المورد كقولهم في الصيف ضيّعت اللّبن ، ثمّ اتّسع فيه فاستعمل في كلّ ما يحكي معنى من المعاني المقصودة المضروبة لها ، وان لم يحم لفظه عن التّغيير ومنه قول كعب بن زهير :
كانت مواعيد عرقوب لنا مثلا |
|
وما مواعيده إلّا الأباطيل |
ثمّ استعير للحال أو الصّفة أو القصّة إذا كانت فيها غرابة ولها شأن ، كما في المقام.
وفي قوله : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ) (١) وقوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (٢) (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) (٣).
ويطلق على الحكم والمواعظ الّتي لها شأن كما في العلوي يا كميل هلك خزّان الأموال والعلماء باقون ما بقي الدّهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، أي حكمهم ، والحقائق المأخوذة عنهم محفوظة عند أهلها يعملون بها ويهتدون بمنارها (٤) ثمّ أنّه قد شاع في ألسنة الأمم من بني آدم ضرب الأمثال في خطاباتهم وخصوماتهم ومقاصدهم ، لأنّ إبرازها في كسوة الأمثال أعون على فهم الجاهلين ، وإرشاد المسترشدين ، وقمع حجج المعاندين ، سيّما مع غموض المطالب وبعدها عن الفهم أو الأذهان ، ولذا أكثر الله سبحانه فيما نزّله من كتابه التّدويني الكافل للكون التشريعي من الأمثال الواضحة الّتي يعرفها كلّ أحد ممّا يتعلّق بأمور معاشهم كي يعبروا منها إلى الأمور الحقيقية الشرعيّة عبورا من المحسوس إلى
__________________
(١) الجمعة : ٥.
(٢) الرعد : ٣٥.
(٣) الحج : ٧٣.
(٤) نهج البلاغة ح ١٤٧.