المعقول ، ومن الظاهر إلى الباطن ، ومن الملك إلى الملكوت فقال : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (١) (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٢) بل الآيات التكوينيّة المشار إليها بقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (٣) (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) (٤).
وغير ذلك كلّها أمثال ودلالات على الأمور الحقيقيّة الثابتة ممّا يتعلّق بالبدء والمعاد ومراتب الايمان والكفر ، وما يترتّب عليها من الثواب والعقاب ، فانّ هذه الأمور كلّها من عالم الغيب والملكوت ، والناس وهم متغمسون في الشواغل الحسّية والغواسق البدنيّة محجوبون عن إدراك تلك الحقائق على ما هي عليها في العوالم العالية القادمة أو النّازلة السافلة لأنّهم بعد في نوم الدّنيا كما قال صلىاللهعليهوآله النّاس نيام فإذا ماتوا انتبهوا (٥) فما في هذا العالم كلّها صور وأمثلة لما في عالم الآخرة ، فما من صورة ومثال في الدنيا بل في الشّهادة إلّا وله حقيقة في الآخرة بل في الغيب ، وما من معنى حقيقي في الآخرة إلّا وله مثال في الدنيا ، فالموجودات الدنيويّة أمثلة لما في الآخرة ، كما أنّ المرئيات في النّوم أمثلة لما في هذه الدنيا ، فما سيكون في اليقظة يظهر لك في النوم بضرب الأمثال المحوجة إلى التّعبير ، وما سيكون في يقظة الآخرة لا يتبيّن في نوم الدّنيا إلا بكسوة الأمثال لمن أراد أن يعبر منها إلى تلك الحقائق ، ولذا ترى القرآن مشحونا بذكر الأمثال ، بل قد كثرت أيضا في ألسنة
__________________
(١) العنكبوت : ٤٣.
(٢) الروم : ٥٨.
(٣) يوسف : ١٠٥.
(٤) فصلت : ٥٣.
(٥) بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٣.