(كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) استيناف ثالث أجيب به عمّا ربّما يسئل عنه من حالهم : كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته ، وكلّما ، أصله كلّ أضيف إلى ما وهو في الأصل لجميع أجزاء الشيء كالبعض لطائفة منه وإن استعمل كلّ في موضع الآخر ، ولذا عدّتا من الأضداد ويلزمهما الاضافة لفظا او تقديرا ، ولا تدخلهما اللام عند الأصمعي وغيره ، بل يعزى الى الأكثر ، ولذا نسب أبو حاتم (١) وغيره سيبويه والأخفش الى قلّة المعرفة حيث استعملاهما بها في كتابيهما ، وذكر أنه قال للأصمعي (٢) : رأيت في كلام ابن المقفع (٣) : «العلم كثير ولكن أخذ البعض خير من ترك الكلّ» فأنكره أشدّ الإنكار وقال : كلّ وبعض معرفة فلا يدخل عليهما الألف واللام لأنهما في نيّة الإضافة.
وهو بمعزل عن التحقيق ، بل الحقّ أنّهما قد يعرّفان بها.
ولفظ كلّ واحد ومعناه جمع ولذا يجوز كلّ القوم حضر ـ وحضروا.
وفي «المصباح» إنّه يفيد التكرار بدخول ما عليه نحو كلّما أتاك زيد فأكرمه ، دون غيره من أدوات الشرط ، وهو منصوب على الظرفيّة لقوله : (أَضاءَ) ومحلّه الجزم بالشرط ، و (مَشَوْا فِيهِ) في موضع الجزاء ، والمشي جنس الحركة المعهودة ، وإن كان أغلب في الأوسط ، فإذا اشتدّ فهو سعيّ ، فإذا إزداد فعدو ، و (أَضاءَ) يستعمل متعديا ولازما ، يقال : أضاء الله الصبح فأضاء ، والمعنى على الأوّل : كلّما نوّر لهم ممشى ومسلكا مشوا فيه فالمفعول محذوف ، وعلى الثاني : كلّما لمع لهم مشوا في مطرح نوره.
__________________
(١) ابو حاتم السجستاني سهل بن محمد النحوي اللغوي نزيل البصرة توفي سنة (٢٤٨) ه
(٢) الأصمعي : عبد الملك بن قريب البصري اللغوي المتوفى حدود (٢١٦) ه
(٣) ابن المقفّع : عبد الله الفارسي الماهر في صنعة الإنشاء المقتول بأمر المنصور الدوانيقي سنة (١٤٣).