بمعنى الفاعل أو المفعول غلب على كلّ ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه ، ولذا قيل : إنّه أوّل الأسماء وأعمّها وأبهمها وقد طال التشاجر في اختصاصه بالقديم أو بالحادث أو بغير المعدوم أو بالجسم ، فذهب إلى اختصاصه بكلّ فريق.
ويضعّف الأوّلان بقوله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ) (١) وقول لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل
والأخير بقوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) (٢).
وأمّا ما يحكى عن جهم (٣) من الاستدلال بهذه الآية على انّه تعالى ليس بشيء نظرا إلى أنّها تدل على أنّ كلّ شيء مقدور لله وهو تعالى ليس بمقدور له فوجب أن لا يكون شيئا فهو ضعيف جدا.
وأضعف منه الاستدلال بقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، حيث أنّه تعالى لو كان شيئا وهو مثل نفسه لم يصحّ قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فوجب أن لا يكون شيئا وهو كما ترى (٤).
وأما اختصاصه بالوجود فقد يستدلّ له بأنّه قد يطلق تارة بمعنى الفاعل فيتناول الباري تعالى كما في الآية الأولى ، واخرى بمعنى المفعول أي مشيي وجوده وما شاء الله وجوده فهو موجود في الجملة ، وعليه قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٥) (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (٦) ، فهما على عمومهما بلا استثناء.
__________________
(١) الانعام : ١٩.
(٢) الكهف : ٢٣.
(٣) هو جهم بن صفوان السمرقندي رأس الجهميّة المقتول بمرو سنة (١٢٨) ه
(٤) حكاه عن الجهم في «مفاتيح الغيب» ج ١ ص ٨١.
(٥) البقرة : ٢٠.
(٦) غافر : ٦٢.