مع أنّ في هذا الضرب من الالتفات تنشيطا للسّامع ، وهزّا له إلى الاستماع ، واستدعاء منه زيادة الإصغاء والإقبال وجبرا لكلفة العبادة بلذّة المخاطبة.
ولذا قال مولانا الصادق عليهالسلام على ما رواه شيخنا الطبرسي عند آية الصّيام لذّة ما في النّداء أزال تعب العبادة والعناء (١).
فالآيات المتقدّمة لمّا كانت حكاية أحوال لم تحتج الى مزيد عناية.
وأمّا هذه الآية فلما فيها من التكليف المشتمل على الكلفة والمشقة روعي فهيا الانتقال من الغيبة إلى الحضور ، على جهة الخطاب المشتمل على صنوف من الألطاف المقرّبة للعباد الموجبة للزلفى لديه في المبدء والمعاد.
و (يا) حرف تدل على النداء طبعا في أصله على ما قيل من أنّه في أصله كان صوتا تصدر عنهم طبعا إلى القصد إلى النّداء كلفظة آخ عند التّوجّع ، ووضعا مترتّبا على ذلك للأعمّ من القريب والبعيد على ما هو الأظهر لأصالة الحقيقة ، وعدم تبادر الخصوصيّة مع شيوع الاستعمال فيما يعمّهما.
وقيل : إنّه لنداء البعيد حقيقة أو حكما بتنزيل القريب منزلته ، إمّا لعظمة المنادى وعلوّه او مع استقصار الدّاعي لنفسه واستبعاده لها عن التأهّل لمقام المخاطبة كقوله : يا الله يا رحمن يا رحيم وغيرها من الأسماء الحسنى ، مع أنّه أقرب إليه (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) و (هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ، وإمّا لسوء فهم المخاطب وبعده عن إدراك المطلب ، أو لغفلته واشتغال قلبه بغير ذلك ، أو لزيادة الاعتناء بالمدعوّ له وكثرة الاهتمام بالحثّ عليه ، والفرق بينه وبين السابق واضح حيث انّه لحالة راجعة إلى المخاطب ، وهنا لمجرّد التنبيه على غموض المطلب.
و (أي) اسم مبهم توصّلوا به إلى نداء المعرّف باللام ، لاستكراههم دخول (يا)
__________________
(١) مجمع البيان ج ١ ص ٢٧١.