عليه حذرا من اجتماع حرفي التّعريف ، فتوصّلوا إليه باسم مبهم يحتاج الى ما يزيل إبهامه ، فجعلوه منادى في الصورة ، وأجروا عليه وضعا موضحا له ما هو المقصود بالنّداء أعني المعرّف باللّام الّذي يزيل إبهامه ، ويمتاز به ذات المنادى ، والتزموا رفعه ، مع جواز كون الصّفة المفردة تابعة للفظ المبني ، ومحلّه للتنبيه على أنّه المقصود بالنّداء ، بل قد التزموا رفع ، توابع المعرّف مفردة كانت أو مضافة لوجوب رفع متبوعه ، ولان المعتبر في المعرب تبعيّة اللّفظ ، وأقحمت بين الصّفة وموصوفها كلمة التنبيه ، تأكيدا لما في حرف النّداء من الإيقاظ للمنادى ، والإعلام بأنّه هو المدعوّ فيقويه حرف التنبيه ، ويعضده فضل اعتضاد ، وتعويضا بها عمّا يستحقّه أي من المضاف إليه أو التنوين الّذي يقوم مقامه في الدّلالة عليه وللقصد إلى الإبهام لا مجال لشيء منهما في المقام ، وفي لزوم تقديم حرف التنبيه دلالة أخرى على أنّ المعرّف هو المقصود بالنداء ، وإن تضمّن تأخيره ، في المقام وجوها من التأكيد المستفاد من تكرار الذكر والتدرّج من الإبهام إلى التّوضيح.
واختيار لفظ البعيد على وجه وتأكيد معناه بحرف التنبيه الّذي فيه إيقاظ بعد ايقاظ ، بل في هذا الخطاب اشارة ، أيضا إلى تكريم المخاطب وتشريفه كما يستفاد من (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) ، و (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بل (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ، وإن اختلفت مراتب التشريف ودرجات التكريم فيها باختلاف الوصف المعرّف كما هو واضح في النبوّة والرّسالة والايمان وأمّا الانسانيّة في قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) فلدلالتها على التشريف الفطري والتكريم الجبلّي المشار اليه بقوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) (١) الآية حيث إنّهم لو بقوا على مقتضى فطرتهم الأصليّة الّتي هي التّوحيد والاستقامة في طريق العبوديّة لنالوا كلّ شرف وكرامة.
__________________
(١) الإسراء : ٧٠.