ولعلّ في تخصيص النّاس المشتقّ من النّسيان على ما في الخبر (١) ، بالخطاب تذكيرا لهم بما نسوه في العهد المأخوذ عليهم في الميثاق فكأنّه قال : يا أيّها الناسون لعهود ربّكم تذكّروا وأرقدوا من نومة الغفلة ، وأوفوا له بتلك العهود الّتي منها العبادة والتّقوى ، أو أنّها هي بناء على اشتمالها على سائره.
وإن أخذت الناس من الأنس فالمراد المستأنسون بعبادة ربّهم بحسب الفطرة الاصليّة ، فيعمّ ، أو بحسب الفعليّة العمليّة فيخصّ الّذين أنسوا بعبادة ربّهم فباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى ، وقد مرّ أنّ القرآن له وجوه وظهور وبطون لا تمانع بينها في الإرادة ، ولما سمعت من اشتمال مثل هذا الخطاب مع بلاغته على وجوه التنبيه والتأكيد والتكريم كثر النّداء في الكتاب العزيز به ما لم يكثر في غيره وبغيره ، فانّ ما نادى الله سبحانه به عباده من حيث انّها أمور عظام ينبغي للمكلّفين أن يصغوا لها ويقبلوا بقلوبهم عليها حقيق بأن ينادي له بالآكد الأبلغ كي يفيد مزيد التّرغيب والحثّ على الطّاعة ولذا قال تعالى : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) (٢) أيّ في القلوب والأبدان ، بل فيه خطاب لجميع مراتب وجود الإنسان كما روي عن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام على ما رواه المحقّق الدّواني وغيره أنّه قال يا نداء للرّوح وأيّ نداء للقلب وهاء نداء للنفس ، وهو محمول إمّا على ما سمعت ، من أنّه حيث يعتنى بكمال توجّه المخاطب بيا أيّها المشتملة على وجوه المبالغة طلبا لإقباله بكلّية قلبه وقالبه وظاهره وباطنه وإمّا على ظاهره من حيث
__________________
(١) في العلل عن الصادق عليهالسلام : سمّي الإنسان إنسانا لأنّه ينسى قال الله : (لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) تفسير الصافي في ذيل آية (١١٥) من سورة طه.
(٢) البقرة : ٦٦.