وان نزل بالمدينة لا المشهور وهو ما نزل قبل مهاجرته صلىاللهعليهوآله من مكّة ، أو بالتفكيك بين الآية والسّورة بأنّ كون إحداهما مكيّة لا ينافي كون الأخرى مدنيّة ممّا لا داعي إلى التزام بشيء منهما.
وكأنّ الّذي دعاهم إلى ذلك ما قيل من توهّم أنّ هذا الخطاب لا يجوز أن يتوجّه إلى المؤمنين بالانفراد أو بمشاركة الكفّار وذلك لأنّ أمرهم حينئذ بالعبادة يكون طلبا لتحصيل الحاصل وهو محال ، وضعفه واضح لصحة طلبها منهم باعتبار الأنواع والأفراد المتكثرة المتجدّدة وتحصيل الزيادة والثبات والمواظبة والتوجّه إليها بالكليّة وهذه المعاني مشتركة في صدق العبادة عليها حقيقة.
ودعوى كونها مجازا في بعضها غير مسموعة بعد التبادر وعدم صحّة السلب وغيرها من أمارات الحقيقة ، بل الأظهر عدم اختصاصها بأفعال الجوارح فتشمل العبادات القلبيّة من الإيمان والمعرفة ومجاهدة النفس لتحصيل الأخلاق الفاضلة.
ومن هنا يضعف ما ربّما يقال من أنّ القول بشمول الخطاب الكفّار وغيرهم يقتضي استعمال لفظ العبادة في حقيقتها ومجازها إذ المراد بالنّسبة إلى الكفّار إحداثها والشروع فيها وإلى المسلمين الزيادة والمواظبة عليها.
وأضعف من ذلك ما قيل من امتناع طلبها من الكفّار الفاقدين لما هو شرط في صحّتها قطعا وهو الإيمان فطلبها منهم حال انتفاء شرطها تكليف بالمستحيل ، وهو ممتنع عقلا وشرعا.
إذ فيه بعد وضوح مقدورية الشّرط أنّ التكليف انّما هو حال انتفاء الشرط لا بشرط انتفائه ، وبين المعنيين فرق بيّن ألا ترى أنّ الصلاة المشروطة بالطّهارة مقدورة للمكلّف فيصحّ تعلّق التكليف بها حال عدم الطّهارة لا بشرط العدم.
وكأنّ هذه الشبهة ونحوها من الأوهام هي الّتي ألجأت أبا حنيفة إلى القول بعدم كون الكفّار مكلّفين بالفروع ، بل ربما سرى الوهم في ذلك إلى بعض المحدّثين