من أصحابنا المتأخرين كالمحدّث الكاشاني (١) والشيخ يوسف البحراني (٢) بل قد يستظهر القول به من المحدّث الأمين (٣) الأسترابادي حيث ذكر في موضع كتابه «الفوائد المدنيّة» أنّ حكمته اقتضت أن يكون تعلّق التكاليف بالنّاس على التّدريج بأن يكلّفوا أوّلا بالإقرار بالشهادتين ، ثمّ بعد صدور الإقرار منهم مكلّفون بسائر ما جاء به النّبي صلىاللهعليهوآله ثمّ قال بعد ذكر جملة من الأخبار الآتية واخبار الميثاق والفطرة أنّه يستفاد منها أن ما زعمه الأشاعرة من أنّ مجرد تصوّر الخطاب من غير سبق معرفة إلهاميّة بخالق العالم ، وانّ له رضى وسخطا ، وانّه لا بدّ من معلم من جهته تعالى ليعلّم الناس ما يصلحهم وما يفسدهم كاف في تعلّق التكليف بهم ، ليس بصحيح.
وعلى كلّ حال فقد استدلّ البحراني وغيره على ذلك بأصالة البرائة بعد انتفاء الدّليل الّذي هو دليل العدم ، وبأنّ التكليف بالأحكام موقوف على معرفة المكلف بها والمبلّغ لها والتّصديق بهما إذ متى كان جاهلا بهما ولم يعرفهما ولم يصدّق بهما كيف يجب عليه العمل بشيء لا يعرف الآمر به ولا المبلّغ له ، وبتطابق العقل والنقل على معذورية الجاهل بالحكم الشرعي جهلا ساذجا ومن البيّن أنّ الكفّار جاهلون به ، نعم هم مكلّفون بالبحث والنظر كغيرهم من سائر الجهّال إذا علموا وجوبهما بالعقل والشرع.
وبجملة من الأخبار كصحيح زرارة قال قلت لأبي جعفر عليهالسلام ، أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق فقال إنّ الله تعالى بعث محمّدا صلىاللهعليهوآله إلى النّاس أجمعين رسولا وحجّة لله على خلقه في أرضه فمن أمن بالله وبمحمّد رسول
__________________
(١) الشيخ الأجلّ المحدث العارف المفسّر محمد بن المرتضى الكاشاني المتوفى (١٠٩١) ه
(٢) هو الشيخ يوسف بن احمد بن ابراهيم البحراني صاحب الحدائق المتوفى (١١٨٦).
(٣) هو محمد أمين بن محمد شريف الأخباري الاسترابادي المتوفى بمكة المكرّمة سنة (١٠٣٣).