وأما ما ذكره الفضل بن روزبهان (١) من أنّ المراد من تكليف الكفار بالفروع أنّهم يعذّبون في الآخرة بترك فروع الأعمال كما انّهم يعذّبون بترك أصولها لا أنّ الشّارع يدعوهم إلى الشرائع ويأمرهم بالفروع قبل أن يصدر منهم الإيمان ، فانّ ذلك يؤدّي إلى التكليف بتحصيل الشروط قبل حصول الشّرط وهو باطل.
ففيه أنّه وهم واضح وغفلة بيّنة فإنّ قضيّة ما سمعت إثبات التكليف لا مجرّد التّعذيب بل هو المصرّح به في كلمات الفريقين عند تحرير محلّ النزاع وبيان الأدلة مع اشتمال قوله فانّ ذلك على مغالطة بيّنة فانّ قوله قبل حصول الشرط إن كان ظرفا للتّكليف فلا بأس به ونمنع بطلانه ، أو للتّحصيل فنمنع الملازمة كما لا يخفى.
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا مرّ شموله عموم النّاس لعامّة المكلّفين ، وأمّا شموله لغير بني آدم من الملائكة والجنّ وساير الحيوانات والنباتات وغيرها من الماديّات والمجرّدات فلا ينبغي القول به ولا الإصغاء إلى قائله ، وان قلنا بكون الجميع مكلّفين مشتغلين بالعبادة والتّسبيح وغيره ، حسبما يستفاد من الآيات الكثيرة والأخبار المتواترة ، لأنّ اللّفظ بحسب الوضع اللّغوي والعرفي موضوع للنوع الخاص فلا يعمّ غيره وان صحّ اتّصافه بالطاعة والعبادة ، وإنّما المقصود في المقام الإشارة إلى أنّ الكفار كلهم منقادون مطيعون في مقام امتثال الأمر التكوينيّ وان كانوا عاصين باعتبار الأمر التّشريعي ولعلّ الآية يشملهما ظهرا وبطنا وتعليقها على اسم الرّب دون غيره من أسمائه الحسنى للتنبيه على أنّ العبادة التكوينيّة من تجلّيات تربيته التّامة العامة في أصل الخلقة والإيصال إلى الكمال الوجودي بمقتضى الرحمة الرّحمانيّة المتّحدة بالنّسبة إلى السعداء والأشقياء وانّ العبادة
__________________
(١) هو فضل بن روزبهان الخنجي الشيرازي الاصفهاني ثم القاساني الشافعي كان حيّا في سنة (٩٠٩).