وكون الإختلاف متقدّرا بقدر الابعاد دليل ، على الاستدارة المتشابهة الحسيّة لها فيما بين الخافقين ، ولو كانت مستوية لكان الطلوع على الجميع أو الغروب عنهم دفعة واحدة كما أنّ ازدياد ارتفاع القطب الشمالي والكواكب الشّماليّة للراغبين في الجنوب وازدياد انحطاط القطب الجنوبي والكواكب الجنوبية للواغلين في الشّمال بحيث يزداد درجات الارتفاع والانحطاط بازدياد درجات الوغول بحسب الدّرجات الأرضيّة دليل على استدارة الأرض في العرض.
وتركّب الاختلافين للسائرين على سمت بين السّمتين من السموات الأربعة الحاصلة من امتداد الخافقين والجنوبين دليل على الاستدارة في جميع الامتدادات ، ويدلّ عليه أيضا استدارة ظلّ الأرض الواقع على وجه القمر في الخسوفات المتكرّرة الّتي شوهد فيها استدارة أطراف ظلّها.
وهذان الوجهان يدلّان أيضا على صيرورتها مع الماء ككرة واحدة مضافا إلى ظهور الجبال الشّامخة أعمدة على الأفق في البراري والبحار شيئا فشيئا بالتّدريج للمتقارب إليها واستتار أسافلها أولا بسطوح الأراضي والمياه الحاجبة لها فيظهر من أعاليها شيئا فشيئا هذا مضافا إلى أنّ طائفة من الأندلس وغيرهم من السيّاحين قد قطعوا الدّوائر الارضية الموازية لخطّ الاستواء وغيره في مرّات كثيرة بحيث قد رجعوا إلى الموضع الّذي فارقوه أولا واستعملوا قدر العظيمة الأرضيّة بالآلات الصناعيّة الّتي يقدّر بها الأميال والفراسخ في البراري والبحار وبالجملة فكروية الأرض بحسب التقريب الّذي لا يقدح فيه الجبال والوهاد الّتي هي كالتضاريس عن الأمور المعلومة وعليها شواهد قطعيّة رياضيّة ، ولذا اتفق عليه الرياضيّون والطّبيعيون بل صرّح به كثير من الفقهاء أيضا.
قال الشيخ المفيد طاب ثراه في كتاب المقالات : إنّ المتحرّك من الفلك انّما يتحرّك حركة دوريّة كما يتحرّك الدّائر على الكرة ، قال : وهذا مذهب ابي القاسم