وقرأ محمّد بن السّميفع (١) فلا تجعلوا لله ندّا.
(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة حاليّة من ضمير لا تجعلوا ، وفائدتها زيادة التّوبيخ والتثريب على شركهم لا تقييد الحكم وقصره ، لوضوح أنّ العالم والجاهل المتمكّن من العلم سواء في التكليف واستحقاق العقاب بالمخالفة ، والمعنى أنّ حالكم وصفتكم أنّكم من أهل العلم والنّظر وإصابة الرّأي وصحّة المعرفة والتّمييز بين الصّحيح والفاسد ، والحقّ والباطل ، لا يكاد يشتبه عليكم شيء من خفيّات الأمور وغوامض الأحوال ، فكيف بهذا الأمر الواضح الجليّ الّذي هو التّوحيد وخلع الأنداد ، حيث إنّه قد ملأ الأنفس والآفاق من الآيات البيّنات والحجج الباهرات فلو تأمّلتم أدنى تأمّل لاضطرّت عقولكم إلى اثبات موجد للممكنات متفرّد بوجوب الذّات ، متعال عن مشابهة المخلوقات.
وعلى هذا فمفعول (تَعْلَمُونَ) متروك ، نزّل منزلة اللازم ، قصدا إلى اثبات حقيقة للفاعل في مقام المبالغة ، ويجوز أن يقدّر بناء على وجود القرائن المقالية أو الحاليّة ، والمعنى أنّكم تعلمون أنّ الأصنام الّتي تعبدونها من دون الله لم تنعم عليكم بهذه النّعم الجليلة الّتي عدّدناها ، ولا بشيء منها أو من أمثالها كقوله تعالى (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ) (٢) أو أنّ هذه النّعم كلّها من الله سبحانه وانّ تلك الأصنام لا تضرّ ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع كقوله (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) (٣) ويؤيّده ما ذكره الإمام عليهالسلام قال : (فَلا تَجْعَلُوا
__________________
(١) هو محمد بن عبد الرّحمن بن السميفع (بفتح السين) أبو عبد الله اليماني له اختيار في القراءة ينسب إليه شذّ فيه ، قرأ على طاوس بن كيسان اليماني المتوفى سنة (١٠٦) ـ له ترجمة في غاية النهاية ج ٢ ص ١٦١ ـ ١٦٢.
(٢) سورة الروم : ٤٠.
(٣) الشعراء : ٧٢ ـ ٧٣.