أنزل مكانا من الأخر : هو دون ذلك ، فهو ظرف مكان مثل «عند» إلّا أنّه ينبئ عن دنوّ أكثر وانحطاط قليل ، ومنه تدوين الكتب لجمعه ، فانّه إدناء البعض إلى البعض ، والشّيء الدّون للدّني الحقير ، ودونك هذا أصله خذه من دونك أي من أدنى مكان منك ، ويقال : هذا دون ذاك إذا كان أحطّ منه قليلا حطّا محسوسا ثمّ استعير للتفاوت في الأحوال والرّتب حتّى صار استعماله فيه أكثر من الأصل فيقال : زيد دون عمرو في الشرف والعلم ، ومنه قول مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام حيث أثنى عليه بعض المنافقين : أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك (١).
ثمّ اتّسع في هذا المستعار فاستعمل في كلّ تجاوز حدّ إلى حدّ وإن لم يكن بينهما تفاوت قريب ، وهو بهذا المعنى قريب معناه من معنى الغير ، بل قيل : إنّه بمعناه ولذا فسّره به شيخنا الطبرسي في المقام (٢) وفي «القاموس» دون بالضمّ نقيض فوق ، ويكون ظرفا وبمعنى أمام ووراء وفوق ضدّ ، وبمعنى غير قيل : ومنه ليس فيما دون خمس أواق صدقة (٣) أي في غير خمس أواق ، وبمعنى سوى قيل ، ومنه الحديث : أجاز الخلع دون عقاص رأسها أي بما سوى عقاص رأسها (٤) ، ومعنى الشريف والخسيس ضد ، وبمعنى الأمر والوعيد.
ثمّ أنّه في الآية يمكن أن يكون بمعنى التّجاوز وهو الّذي يقال إنّها أداة
__________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٧ ص ٤٦ طبع مصر سنة ١٣٧٨.
(٢) مجمع البيان ج ١ ص ١٣٦.
(٣) في لسان العرب : في حديث مرفوع : ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة. قال أبو منصور : خمس أواق : مأتا درهم.
(٤) في لسان العرب : الخلع تطليقة بائنة وهو ما دون عقاص الرأس يريد أنّ المختلعة إذا افتدت نفسها من زوجها بجميع ما تملكه كان له أن يأخذ ما دون شعرها من جميع ملكها.