سبحانه مرتّب على ذلك الإرشاد تكميلا له شرطيّنين : أحدهما محذوفة الجزاء والاخرى محذوفة الشرط ، والمعنى فإذا لم تعارضوه فقد ظهر لكم صدقه ، وإذا ظهر لكم صدقه فآمنوا به واتّقوا النّار حيث إنّ الايمان به حينئذ واجب يعاقب تاركه ويثاب فاعله.
لكنّ الأظهر كما قيل إنّ هذا باعتبار تقرير المعنى وبيان الملازمة من دون أن يكون هناك شرط محذوف وذلك لأنّ كون سبب السبب سببا يكفي في ارتباط المسبّب به بكلمة الشرط من غير إضمار أو حذف ، وليس كلّما كانت الملازمة محتاجة إلى وسط يقدر هنالك حذف ، ولذا لم يلتزموا به في قولك كلّما كانت الشّمس طالعة كانت الأرض مستضيئة ، بل وكذا لو لم يكن اللازم بيّن التفرع بل كان محتاجا إلى البيان كقولك كلّما كان محدّد الجهات موجودا لزم أن يكون كرويّا.
وعبّر عن الإتيان وما يتعلّق به بالفعل الّذي ينزل في الأفعال منزلة الضمير في الأسماء إذ مبنى كلّ منهما على الاختصار ودفع التكرار ، وهذا فنّ من البلاغة يسمّونه إيجاز القصر حيث وقع الفعل وحده موقع الإتيان بسورة من مثله مع الاستعانة بمن شاءوا وهو أبلغ من حذف متعلّق الإتيان ، وأمّا جعله مطلقا كناية عنه مقيّد بما تعلّق به فلا يدفع عنه وصمة التكرار.
ثمّ انّ الفعل لا يقدّر له مفعول أصلا لجعله كناية وعموم معناه لسائر الأفعال وكونه من باب يعطى ويمنع حيث إنّ المراد بهما الغرائز أو مجرّد صدور الفعل كما أنّه قد سيق الخطاب في المقام للاخبار عن نفي القدر وصدّر الشرطيّة «بان» الّذي للشك دون «إذا» الّذي للوجوب مع أنّ المقام يقتضيه نظرا إلى أنّه سبحانه لم يكن شاكّا في عجزهم ولذا اعترض بين الشرط والجزاء بما يدلّ على تأبيد نفي إتيانهم بمثله لسوق الكلام معهم على حسب حسبانهم حيث قالوا (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) فكانوا على طمعهم في التمكّن من المعارضة متّكئين على ما كانوا عليه من