الفصاحة واقتدارهم على أفانين الكلام ، وذلك قبل التأمّل منهم من دون أن ينقطع عن قلوبهم عرق العصبيّة أو تنقشع عن أبصارهم عشوة الجهالة ، وللتهكم بهم كما يقول الموثوق بالقوّة الواثق من نفسه بالغلبة إن غلبتك لم أبق عليك ، وهو يعلم أنّه غالبه تهكّما به.
و (تَفْعَلُوا) مجزوم بلم لأنّها واجبة الإعمال مختصّة بالمضارع متّصلة بالمعمول ، دون حرف الشّرط ولأنّها لمّا دخلت على المضارع صيّرته ماضيا منفيّا فصارت كالجزء منه ، ومدخول الشرط هو المنفيّ المعمول فكأنّه قال فان تركتهم الفعل ، ولذا ساغ اجتماعهما.
و «لا» و «لن» أختان في نفي المستقبل إلّا أنّ «لن» أبلغ وأدلّ على تأبيد النفي وتأكيده توكيده ، والأقرب أنّه حرف مقتضب للدّلالة على النّفي والاستقبال ، وزعم الفرّاء (١) أن أصله وأصل لم لا فأبدلت الألف ميما في أحدهما ونونا في الأخر ، والخليل (٢) في إحدى الروايتين والكسائي (٣) أن أصله لا أن فحذفت الهمزة تخفيفا والألف للسكون ، وللفريقين وجوه ضعيفة ، والأظهر الأشهر ما مرّ ، نعم قد أنكر نجم الأئمّة (٤) وابن هشام (٥) وصاحب «القاموس» كونه للتّأبيد والتأكيد لفقد الدّليل ولأنّه لو كان للتأبيد لم يقيّد منفيه باليوم في قوله : (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ
__________________
(١) الفرّاء : يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي ابو زكرياء النحوي الكوفي ولد سنة (١٤٤) ه ومات سنة (٢٠٧) ه
(٢) خليل بن أحمد الفراهيدي الأديب اللغوي المولود (١٠٠) والمتوفى (١٧٠).
(٣) الكسائي : علي بن حمزة بن عبد الله الكوفي المقرء النحوي اللغوي المتوفي (١٨٩) ه
(٤) نجم الأئمة محمد بن الحسن الاسترابادي المعروف بالشارح الرضي المتوفى (٦٨٦) ه
(٥) ابن هشام : عبد الله بن يوسف المصري النحوي المتوفى (٧٦١) ه