في نبوّته وفيما جاء به من الله سبحانه ، فلمّا جعلوه واسطة في إيصال الفيوض الإلهيّة وتبليغ الشّرائع الدّينيّة بشّروا من جهة توسّلهم به وانقطاعهم إلى تصديقه ، وأمّا من لم يصدّقه في حياطته ووساطته فالأنسب بحاله أن يجاهر بالتوبيخ والتّهديد والوعيد الشّديد من دون أن يجعل ذلك من جهة وساطته ، ولذا عطف القصّة على القصّة من جهة تناسبها في جهة الإبشار والإنذار المتعلّقين بطرفي مطلوب واحد من دون اعتبار آحاد الجمل الواقعة فيها إذ المعتبر في عطف الجمل المسوقة لغرض على الجمل المسوقة لأخر إنّما هو التناسب بين القصّتين لا بين جمل القصّتين ، وذلك نظير ما يقال في عطف المفرد في مثل قوله : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) (١) أنّ الواو الوسطى ، لعطف مجموع الصّفتين الأخريين على مجموع الأولين ، فلو اعتبرت عطف كلّ مفرد بالاستقلال لانتفى التناسب بينهما.
ومن هنا يظهر أنّه ليس عطفا على خصوص قوله (فَاتَّقُوا) حتّى يقال ، إنّه جواب للشرط فمع العطف يكون التّقدير فإن لم تفعلوا فبشّر الذين آمنوا ولا ارتباط بينهما ، وإن عطف الأمر لمخاطب على الأمر لمخاطب آخر انّما يحسن إذا صرح بالنداء وأما بدون التصريح به فقد منعه النحاة نعم قد يقال : الربط حاصل والمخاطب متّحد ، وذلك لأنّ المعنى فاتّقوا النّار واتّقوا ما يغيظكم من غبطة أعدائكم وهم المؤمنون ، فأقيم (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) (٢) ليدلّ على أنّه مقصود لذاته أيضا لا لمجرّد غيظهم.
وفيه أنّ المنساق من الآية مقابلة الإنذار بالإبشار لا الإشعار على ما يغيظ
__________________
(١) الحديد : ٣.
(٢) الحديد : ٣.