(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (١) فعلى عموم المجاز ، أو استعارة أحد الضّدّين للآخر تهكّما واستهزاء للقصد إلى زيادة غيظ المستهزء به وتألّم قلبه ، وعلى طريقة قوله : تحيّة بينهم ضرب وجيع ، من حيث أنّه غير سارّ وان لم يكن فيه تهكم.
وكنّى عن المبشّرين بالرسول تكريما لهم وتنويها بذكرهم وتفخيما لشأنهم ، وللاشارة إلى السبب الّذي استحقوا به تلك البشارة وهو جمعهم بين الايمان الّذي هو التصديق القلبي والعمل الصّالح الّذي هو من فعل الجوارح مع مراعاة التّرتيب بينهما على ما هو عليه.
والصالحات جمع صالحة وهي من الصفات الغالبة تجري مجرى الأسماء حيث تستعمل بلا قصد إلى موصوف كالحسنة والسيئة.
وهي من الأعمال ما حسّنه الشرع وأمر به سواء كان ذلك بلسان العقل الّذي هو الحجّة الباطنة أو بلسان الشرع الظّاهر الّذي صدع به الأنبياء والأوصياء ونوّابهم الخاصّة والعامة ، وتأنيثها بتأويل الفعلة أو الخصلة أو الخلّة أو ما ضاهاها ، وليست اللام فيها لاستغراق الأفراد أو الجمع أو المجموع وإن قلنا بظهور الجمع المحلّى فيه ، ولا للعهد ، بل لجنس الجمع لأنّ البشارة ليست مقصورة على ما حازها بأجمعها بحيث لا يشذّ عند شيء منها ، بل يشترك فيها كلّ من آمن بالأصول المقرّرة الّتي هي التوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد إذا قرن الايمان بفعل جملة من الطاعات ، نعم للجزاء المبشّر به مراتب ودرجات كثيرة منطبقة على مراتب الإيمان والأعمال الصّالحة ، فأعلاها وأرفعها لمن فاز بالإيمان الكامل ووفّق للإتيان بجميع الأعمال الحسنة بحيث لا يشذّ عنه شيء منها ، حسبما يقتضيه وضع الجمع المحلّى أو ظاهره ، فالمثوبة العظمى والجزاء الأوفى مختصّة بهم ، لأنّهم الذين تسنّموا الذّروة
__________________
(١) آل عمران ك ٢١.