ولعلّ كون هذه الجنّة وسطا باعتبار كونها خيرا من الكلّ كقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (١) مع كونها مركز الجميع بمعنى كونها مقدّما على الجميع في الخلقة ومنشأ لتعلّق الفيوضات والأنوار منها إلى الجميع كما أنّ محمّدا وآل محمّد صلّى الله عليهم أجمعين أوّل المخلوقات وأفضل الموجودات وكلّ ما في الكون يستمدّون منهم في التكوين والتشريع ، فإنّ عالم الكون قد خلق من فاضل أشعة أنوار وجودهم حتّى السّموات والأرض والعرش والكرسي والجنّة وغيرها كما استفاضت به الأخبار.
ففي كتاب «الأنوار» لأبي الحسن البكري استاد الشهيد الثّاني عن أمير المؤمنين عليهالسلام انّه قال : كان الله ولا شيء معه فأوّل ما خلق نور محمّد صلىاللهعليهوآله قبل خلق الماء والعرش والكرسي والسماوات والأرض واللّوح والقلم والجنّة والنّار والملائكة وآدم وحوّاء باربعة وعشرين وأربعمائة ألف عام (ثمّ ساق الخبر بطوله الى أن قال) : ثمّ خلق الله من نور محمّد صلىاللهعليهوآله الجنّة وزيّنها بأربعة أشياء : التعظيم والجلالة والسخاء والأمانة : وجعلها لأوليائه وأهل طاعته (٢) : الخبر.
وفي مصباح الأنوار (٣) للشيخ الطوسي عن النّبي صلىاللهعليهوآله قال : إنّ الله خلقني وخلق عليّا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم حين لا سماء مبنيّة ولا أرض مدحيّة ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا جنّة ولا نار فقال العبّاس :
__________________
(١) البقرة : ١٤٣.
(٢) بحار الأنوار ج ١٥ ص ٢٧ ـ ٣٠ ح ٤٨ عن ابن الحسن البكري ولا يخفى أن نسبة كتاب الأنوار الى ابي الحسن البكري أستاذ الشهيد الثاني لا تصحّ راجع في ذيل البحار ج ١٥ ص ٢٦.
(٣) نسبته في الكتاب الى الشيخ الطوسي أيضا لا تصح بل هو للشيخ هاشم بن محمد ـ راجع البحار ج ١٥ هامش ص ١٠.