والفرد ، فالرزق حينئذ بمعنى المرزوق ، و (مِنْ ثَمَرَةٍ) حال مقدم و (مِنْها) ظرف لغو ، ثمّ أن ذلك مبني على كون من التجريدية للتبيين ، والأشبه وفاقا لبعض المحققين كونها للابتداء ففي قولهم : رأيت منك أسدا كأنّه قيل : رأيت أسدا كائنا منك تصويرا لشجاعته بصورة أسد منتزع منه فقد انتزعت من صفته ذاتا وصفة ، وفيه من المبالغة ما لا يخفى بخلاف الأوّل الّذي قيل إنّه ليس بأبلغ من نحو أنت أسد ، نظرا إلى أنّ الإجمال والتفسير لا مدخل له في المبالغة والتشبيه.
ثمّ انّه قد يحتمل أن يكون من الثانية للتبعيض ، لأنّ الرزق بعض الثمرة أي نوعها وهم يرزقون بعضها في كلّ وقت ، وأن يكون مزيدة كما هو ظاهر شيخنا الطبرسي رحمهالله ، وقوله (مِنْ قَبْلُ) مبني منصوب المحلّ على الظرفية للفعل الّذي وليه ، أي من قبل هذا في الدنيا كما صرّح به الإمام عليهالسلام في تفسيره.
قال عليهالسلام (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها) من تلك الجنان (مِنْ ثَمَرَةٍ) من ثمارها (رِزْقاً) وطعاما يؤتون به (قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) في الدّنيا فأسماؤه كأسماء ما في الدّنيا من تفاح وسفرجل ورمان ، وكذا وكذا ، وإن كان ما هناك مخالفا لما في الدّنيا ، فإنّه في غاية الطيب ، وأنه لا يستحيل إلى ما يستحيل اليه ثمار الدنيا من عذرة وسائر المكروهات من صفراء وسوداء ودم وبلغم ، بل لا يتولد من مأكولهم إلّا العرق الّذي يجري من اعراضهم أطيب من رائحة المسك (١).
ويظهر منه أنّ المشابهة والاتحاد إنّما هو من جهة الشكل والمثال ومجرّد التعبير بالاسم لتميل النفوس إليها أوّل ما رأتها لأنسها بالمألوف وليظهر لها بالنظر إلى ما في الدنيا قدر النّعمة وكمال المزيّة لا أنّها باعتبار شيء من مراتب الكمال فضلا من أن يكون من جميع الجهات.
__________________
(١) تفسير البرهان ج ١ ص ٦٩.