وأمّا ما يقال من احتمال أن يكون المراد من قبل في الجنّة حيث إنّ ثمارها إذا جنيت من أشجارها عاد مكانها مثلها فيشتبه عليهم فيقولون هذا الّذي رزقنا من قبل هذا وانّ المعنى كالذي رزقنا وهم يعلمون أنّه غيره ، ولكنهم شبهوه به في طعمه ولونه وريحه وطيبه وجودته.
فممّا لا ينبغي الإصغاء إليه بعد ما سمعت من تصريح من هو من خزنة العلم وأهل بيت الوحي ، سيّما مع رجحان الأوّل عليهما لسلامته عن التخصيص في (كُلَّما رُزِقُوا) بغير المرة الأولى فإنّه يدلّ على ترديدهم كلّ مرة رزقوا حتى الاولى ولبقاء (مِنْ قَبْلُ) على إطلاقه ، وللزوم قبليات متحددة متجددة على الأخيرين مع عدم إشعار اللّفظ بها ظاهرا ، وأمّا قبليّة الدنيا فقبلية واحدة مطلقة ، ولأنّه يتعيّن على الأخيرين أن لا يكون استينافا لعدم سبق الدّاعي إلى السؤال عليهما دون الأوّل المتضمن لفرائد الاستيناف ، مع ما فيه من فخامة المعنى من حيث ارادة الغبطة العظيمة والابتهاج البالغ وان التشابه في الحقائق والاختلاف بالصّفات أتمّ في باب التشابه وأدعى للتّعجب والقرآن يحمل على أحسن الوجوه وان كان ذلولا ذا وجوه (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) استيناف أخر كأنّه قيل : إنّ ثمار الدّنيا مشتملة على الجيّد والرّدي مختلفة في صفات الكمال جدّا فهل ثمار الآخرة أيضا كذلك؟ كما يوهمه الحمل المتقدم فأجيبوا بذلك وعلى هذا فالضمير للرزق.
ولذا قال الإمام عليهالسلام : وأتوا به بذلك الرّزق من الثّمار من تلك البساتين متشابها يشبه بعضها بعضا بأنّها كلّها خيار لا رذل فيها ، وبأنّ كل صنف منها في غاية الطيب واللذة ليس كثمار الدنيا بعضها نيّئ (١) وبعضها متجاوز لحدّ النضج والإدراك إلى حد الفساد من حموضة ومرارة ، وسائر ضروب المكاره ، ومتشابها أيضا متفقات الألوان
__________________
(١) النيء (بكسر النون) ما لم ينضج من اللحم وغيره وبالفارسية : خام ونارس.