من دون الاكل والشّرب والقول بذلك شاذّ عن دين الإسلام وهو مأخوذ من مذهب النصارى الذين زعموا أنّ المطيعين في الدنيا يصيرون في الجنة ملائكة لا يطعمون ولا يشربون ولا ينكحون وقد أكذب الله تعالى هذا القول في كتابه بما رغب العالمين فيه من الاكل والشرب والنكاح فقال تعالى : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا) (١) وقال تعالى أيضا : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) (٢) الآية وقال : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) (٣) قال : (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) (٤) ، وقال : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ) (٥) وقال : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) (٦).
فكيف استجاز من أثبت في الجنّة طائفة من البشر لا يأكلون ولا يشربون ويتنعّمون ممّا به الخلق من الأعمال ويتألمون ، وكتاب الله شاهد بضدّ ذلك ، والإجماع على خلافه لو لا أن قلّد في ذلك من لا يجوز تقليده ، أو عمل على حديث موضوع (٧) انتهى.
إذ بما سمعت يرتفع التنافي بين الكلامين ، والحاصل انّه لا نزاع بين المسلمين في ثبوت الجنّة المحسوسة لكلّ واحد من المؤمنين ، بل لكل فرد من أفراد البشر وإن ورثها غيره مع عدم قابليته لها ، وعبارة الصدوق ظاهرة في ذلك أيضا بل صريحة على ما سمعت ، واستدلاله بالخبر المتضمن لأصناف العباد لا دلالة فيه
__________________
(١) الرعد : ٣٥.
(٢) محمد : ١٥.
(٣) الرّحمن : ٧٢.
(٤) الدخان : ٥٤.
(٥) يس : ٥٥ ـ ٥٦.
(٦) البقرة : ٢٥.
(٧) بحار الأنوار ج ٨ ص ٢٠١ ـ ٢٠٢ عن مقالات المفيد.