الخلد والخلود في الأصل الثبات المديد دام أو لم يدم ، ولذلك قيل للأثافي والأحجار خوالد ، وللجزء الّذي يبقى من الإنسان على حاله ما دام حيّا خلد ، ولو كان وضعه للدوام كان التقييد بالتأبيد في قوله : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (١) لغوا واستعماله حيث لا دوام كقولهم ، وقف مخلد يوجب اشتراكا أو مجازا والأصل ينفيهما بخلاف ما لو وضع للاعمّ منه فاستعمل فيه بذلك الاعتبار كاطلاق الجسم على الإنسان مثل قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) (٢) ، الآية.
ففيه أنّ الثابت من التبادر وغيره من أمارات الوضع بل ومن تصريح أئمة اللغة وغيرهم وضعه لدوام البقاء لا من حيث كونه فردا للثبات المديد بل من حيث الخصوصيّة فيكون مجازا في غيره حتّى في الجامع ، مع أنّ اطلاق الآية دليل على كونه حقيقة فيما ذكرناه ، كيف وقد اتفق من البشر من كان طوال الأعمار كخضر والياس بل وكذا مثل نوح وغيره.
وأمّا اطلاق الخوالد على الأثافي والصّخور فبالاضافة على ضرب من المجاز.
ولذا قال في «الصحاح» إنّه قيل لأثافي الصخور خوالد لبقائها بعد دروس الاطلال.
وامّا ما يقال من أنّه لو كان التأبيد داخلا في مفهوم الخلد لكان ذلك تكرارا ففيه أنّه تأكيد لجزء معناه لا أنّه تكرار لتمامه كما ننبّه عليه في موضعه إن شاء الله.
وانّما قيّدناه بوقت مبتدأ لعدم إطلاقه على من لم يزل ولا يزال ، ولذا لا يوصف الله سبحانه بأنّه خالد.
__________________
(١) الأحزاب : ٦٥.
(٢) الأنبياء : ٣٤.