يحصى عددا ، فلمّا عاين نمرود ذلك انفرد من جيشه ودخل بيته واغلق الباب وارخى الستور ونام على قفاه مفكّرا فدخلت البعوضة في أنفه فصعدت إلى دماغه ، فتعذّب بها أربعين يوما إلى أن كان يضرب برأسه الأرض ، وكان أعزّ الناس عنده من يضرب رأسه ثمّ سقط منه كالفرخ وهو يقول كذلك يسلط الله رسله على من يشاء من عباده ثم هلك (١).
ثمّ أنّ البعوضة على صغر جرمها قد أودع الله تعالى في دماغه قوّة الخيال والفكر والحفظ والذكر ولعلّها موزّعة فيها كغيرها على أجزاء دماغه الثلاثة المقدّم والمؤخّر والوسط وخلق لها حاسّة البصر والسّمع واللمس والشّم وخلق لها منفذا للغذاء ومخرجا للفضلة وخلق لها جوفا ومعاء وعروقا وعظاما فسبحان من (قَدَّرَ فَهَدى) ولم يترك شيئا من المخلوقات سدى (٢).
(فَما فَوْقَها) ما موصولة ، أو موصوفة ومعطوفة على ما الاولى إن كانت اسما والّا فعلى بعوضة وإن رفع بعوضة فالأولى موصولة والثانية معطوفة عليها ، وان كانت الاولى استفهامية فالثانية كذلك ، وتكون من عطف الجمل ، والمراد ما زاد عليها في الجثة كالذباب والعنكبوت لما قيل من أنّه لما ذكرهما الله في كتابه وضرب بهما المثل ضحكت اليهود وقالوا ما يشبه هذا كلام الله فنزلت ردّا عليهم في استنكارهم والمعنى انّه لا يستحي ضرب المثل بالبعوض فضلا عمّا هو أكبر منه أو ما نقص عنه في الجثّة لأنّ فيه زيادة في المعنى الّذي جعلت فيه مثلا وهو الصغر والحقارة ، حيث أن المقصود من التمثيل تحقير الأوثان كلما كان المشبّه به أشدّ حقارة كان المقصود اكثر حصولا فالمراد بالموصولة ما هو الأصغر منها كجناحها وسائر اجزائها
__________________
(١) حياة الحيوان : ج ١ ص ١٥٢.
(٢) نفس المصدر : ج ١ ص ١٨٢.