ثمّ إنّ الأخبار المتقدمة قد اشتملت على الاستدلال بحدوث الإرادة وعدم قدمها مرّة بأنّها لو كانت قديمة لكان المراد معها ، ويلزم من ذلك قدم الأشياء كلها فتتعدد القدماء وهو هدم للتوحيد ، ولذا قال : من زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريدا شأنيّا فليس بموحّد وقال إنّ المريد لا يكون إلّا والمراد معه.
وتوهّم أنّه تعالى كان في الأزل مريدا للأشياء في أزمنة حدوثها فلا يلزم قدمها مدفوع بأنّ الزمان أيضا من جملة الحوادث فيلزم قدمه ، مع أنّ أزمنة حدوثها حادثة بإرادته فإمّا أن تكون تلك الارادة المتعلقة بإيجادها قديمة لزم قدمها أو حادثة فهو المطلوب ، وأخرى بأنّه يصحّ التعليق بمشيّة الله تعالى دون علمه فتقول : أفعل كذا ان شاء الله وأراد ، ولا تقول أن علم الله فاتّضح به المغايرة بينهما ، بل قد يلوح من كلامه عليهالسلام وجه آخر وهو انّه تعالى يعلم كلّ شيء ولا يريد كلّ شيء إذ لا يريد كفرا وظلما ولا شيئا من القبائح (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (١) (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٢) ، فعلمه متعلّق بكلّ شيء (أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، ولا كذلك إرادته ، فعلمه غير ارادته ، وعلمه عين ذاته تعالى ، فإرادته صفة زائدة على ذاته.
ومن الغريب بعد ذلك كله أن الملا صدرا قد شمّر عن ساق الجد للجواب عنهما وعن غيرهما ممّا يستدلّ به على حدوث الإرادة حتّى أنّه قد عقد لذلك فصلا في كتابه المسمّى بالمبدأ والمعاد فأجاب عن الأوّل بأنّه تعالى أراد بإرادته القديمة إيجاد نفس الوقت المعين بعد العدم لا أنّه أراد بإيجاده في وقت معيّن حتّى يلزم التسلسل ، وبالجملة أنّه تعالى أراد بالإرادة القديمة إيجاد كلّ العالم واجزائه
__________________
(١) غافر : ٣١.
(٢) البقرة : ١٨٥.