بالعناية المفسّرة عندهم يكون فعله تابعا لعلمه بوجه الخير بذلك الفعل في نفس الأمر فيفعل عن ذلك العلم من غير قصد زائد عليه ، وحينئذ يلزمه القول بالعليّة والإيجاب ونفي الاختيار لأنّ الموجب هو الّذي لا يتخلّف عنه مفعوله ، فإذا كان العلم الّذي هو الذات هو العلة التّامة لا غيره لم يكن فاعلا بالاختيار بل بسببيّة الذات ، وان كان علمه بذلك سببا ناقصا لوجود العالم فالجزء المتمم له ان كان قديما عاد المحذور فيه أو حادثا وهو المطلوب ، والسؤال عن سبب تخصيص الحوادث بخصوص الأوقات منقطع على القول بكونه فاعلا مختارا لأنّه حينئذ (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) و (يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) وانّما يفعل بإرادته الحادثة بعد العدم (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١).
وأمّا ثالثا فلأنّ ما أجاب به عن الثّاني تقرير لما مهّدوه في موضع آخر من عدم دخول الشّر في القضاء الالهي وإنّ كلّ ما دخل في صقع الوجود فهو إمّا خير محض أو خير غالب مشوب بشرّ مغلوب وهذه المسألة إذا تأمّلها المتأمّل في كلامهم يجدها غريبة مبنيّة على القول بنفي الاختيار في حقّه وفي حقّ عباده ، بل كانّها مخالفة لما تقضي به الضرورة القطعيّة من شيوع الكفر والظلم والفساد بين أغلب العباد في أكثر البلاد حتّى سفكوا الدماء وقتلوا الأنبياء وغصبوا حقوق الأوصياء وقهروا الأولياء وسبوا النّساء واختفى الحقّ ببهجته واستدار رحى الباطل على قطبه إلى غير ذلك من الشّرور الغالبة في الأمور التّشريعيّة ، مضافا إلى ما وقع منها في التكوينيّات من نقصان الاستعدادات وبطلان القابليّات وطروّا الطّواري من الآلام والأسقام والأمراض والأعراض والفقر وسائر الشّدائد والمحن وقد قال الله تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (٢) وكأنّ المسألة كانت في الأصل مذكورة في
__________________
(١) يس : ٨٢.
(٢) الأنبياء : ٣٥.